🌹 ريان 🌹
مرسل: 06 فبراير 2022, 09:00
أسمتني أمي ريان وأنا لا أزال في بطنها، أخبرتني أنها كانت محتارة في اختيار اسم لي، حتى سمعت ذات يوم من المذياع أن الريان هو باب في الجنة، فخفق قلبها لتسميتي به!
كنت طفلاً وديعًا، ومطيعًا، يظهر هذا من تقاسيم وجهي البريء، ومن عمق عيناي العميقتين..
كأني أخذت من اسمي بعض الصفات، كانت أمّي تتوسّم فيّ خيرًا، ولطالما سهرت تروي لي قصص الأبطال، حتى إذا كبرتُ اقتديتُ بهم..
كانت الطفولة ترفرف من جسدي، أخرج لقريتي الجميلة، وأشرد طويلا في مساحاتها الغنّاء، أجري كالطير الحر، فنحن أبناء القرية، لا نعرف مكابح لتحركاتنا.. فمنذ أن نلمس الأرض ونحن نطير بلا أجنحة..
قريتي جميلة، وأراضيها شاسعة، شفشاون الخضراء، أرض أجدادي الأمجاد.. هل كنتم تعرفونها سابقًا؟!
كشقاوة كل صبي صغير، كنتُ أحيانا أسرق أوقاتًا خاصة بي لأختبئ عن العالم.. لأكتشف طبيعةً لطالما أسرتني.. لكن يوم الثلاثاء هذا، لم يكن كباقي الأيام، ففكرة الابتعاد عن البيت لم تكن صائبة أبدًا، ورغبتي الاستكشافية المشتعلة، قد اشتعلت في غير وقتها المناسب..
إذ وأنا أقف على رجلاي الصغيرتان، فوق الأرض الرحبة، أحسست بشيء قاسٍ تحت نعالي، حاولت أن اضغط عليه بكل ثقلي لأكتشف ماهو (كعادتي الاستكشافية الدائمة)، وفجأة أحسست الأرض قد ارتعشت تحتي، فقدتُ توازني، وهويتُ أسفل الأرض السحيقة..
كان إحساسًا مرعبًا، أكثر رعبًا من القصص المخيفة التي سمعتها عن الغول.. كانت دقات قلبي ترتفع، تكاد تصل لحلقي، وجسمي يرتعد خوفًا..
حتى تلقفتني الأرض في الأسفل، واصطدمتُ بقوة كبيرة على صخرة قاسية، كادت تكسر أضلعي.. غبتُ عن الوعي ساعاتٍ طويلةٍ، وما إن فتختُ عيناي حتى أظلمت الدنيا في وجهي، لم أعرف هل حل الليل، أم أن الأرض التي ابتلعتني لونها أسود قاتمٌ؟
حاولتُ أن أبكي فما وجدتُ قدرة على ذلك، حاولت أن أنادي أمي، فمن عادتي إذا خفت أنا أناديها، لكنّ لساني خانني.. كانت يدي هي الوحيدة التي تتحرك، وباقي أطراف جسمي مخدرة، وتوخزني كأنها أسلاك كهربائية تنخر مفاصلي..
لم أعرف ما أفعل، فأنا صغير، لا أقوى على التفكير في الأزمات، ولا أعرف كيف أقوم بالعمليات العقلية المناسبة لمثل هذه اللحظات..
كل ما كان يغزوني هو إحساسٌ عميقٌ بالخوف والذعر، كنت خائفا من الظلمة، من الألم، من بعدي عن أمي وأبي، من البرودة التي غلّفت جسمي الغض الصغير.. هذا كل ماكنت أحسه: الخوف.
لكن خارجا كان تحدث أمور أكبر من الخوف.. كانت الأرض تُقتلع من مكانها للوصول إليّ، لقد هدُّوا جبلاً كاملاً، حتى ينقذوني، وأتى الناس من كل حدب وصوبٍ، يكبرون الله، ويدعونه لينجيني.
بل كل العالم سمع بقصتي، وصارت ألسن الخلق تلهج بالدعاء لنجاتي.. اعتبرتني الأمهات ابنهن، والأطفال أخوهم، حتى الأعداء اتحدوا، وأصبحوا يدًا واحدةً، لا تهمها سوى نجاتي..
أمضيت نهاراتٍ، وليالٍ باردة! وكل يوم يوم يمضي، يأخذ معه أنفاسي، ويزيد من آلامي.. كنت أفقد الوعي طواعية، لأعود وأفتح عيناي وأجد نفسي على نفس الحال، ورغم بعض الأمان الذي اعتراني، حين كنت أسمع أصواتا من بعيد تناديني، وحبالاً تُلقى من الأعلى، فيها كاميراتٌ تترصد أنفاسي، إلا أنني كنتُ عاجزًا عن الفهم، أو الكلام، والحركة..
كانت تأتيني أحلامٌ جميلةٌ بين الفينة والأخرى، أحلم اني أطير، أقطف الزهور من مزارع قريتي الخضراء، وألاحق الفراشات.. وأصطاد الحشرات الصغيرة.. كنتُ أبتسم رغم الألم..
بقيتُ أنتظر مصيري المحتوم، واستسلمتُ لقدري.
مضتْ خمسة أيام، بذعرِ نهارها، وسواد ليلها، بقلق العالم وخوفه وترديد دعواته.. إلى أن استنزف جسمي كل طاقته، واستنفذتُ انا أنفاسي التي منحها الله لي..
لا تبكي علي يا أمّي، فأنا لم أتألم كثيرا.. بالكاد فهمت الذي يحصل معي.. لقد كنت بين يدي الله..
ابكيني قليلا فحسب، لتمسحي حسرتك، واصبري باقي أيامك..
فالعمر طويل.. ولا أريدك أن تخسريه في الدموع..
فالله شاء أن أولد وأعيش ما قدره لي، وأن لا أرحل كما يرحل الناس العاديون..
لقد رحلت بعد أن عرفني كل العالم، وسمع بقصتي ودعا لي ولكِ، اعتبريه عزاءًا دائمًا لك، فكما كنت تحلمين أن اكون بطلا في المستقبل، ها أنها قد حققت حلمك بسرعة وجعلت العالم يدا واحدة تتفق في خمسة أيام.
لقد تركتُ رسالة للعالم، رغم صغر سني، أعلمهم فيها، أن رب الكون واحد، وأننا لنرجع إليه لابد أن نتحد، لابد أن تكون دعواتنا واحدة، ومواقفنا واحدة، وقلوبنا على رجل واحد!
نعم يا أمي أنا وُلدت لأرحل، ولأعلم الأمة أن هدفها هو الاتحاد لا التفرقة.
سأنام الآن بهدوء، فلا خوف على الأطفال، إنهم في حمى الرحمان.
كنت طفلاً وديعًا، ومطيعًا، يظهر هذا من تقاسيم وجهي البريء، ومن عمق عيناي العميقتين..
كأني أخذت من اسمي بعض الصفات، كانت أمّي تتوسّم فيّ خيرًا، ولطالما سهرت تروي لي قصص الأبطال، حتى إذا كبرتُ اقتديتُ بهم..
كانت الطفولة ترفرف من جسدي، أخرج لقريتي الجميلة، وأشرد طويلا في مساحاتها الغنّاء، أجري كالطير الحر، فنحن أبناء القرية، لا نعرف مكابح لتحركاتنا.. فمنذ أن نلمس الأرض ونحن نطير بلا أجنحة..
قريتي جميلة، وأراضيها شاسعة، شفشاون الخضراء، أرض أجدادي الأمجاد.. هل كنتم تعرفونها سابقًا؟!
كشقاوة كل صبي صغير، كنتُ أحيانا أسرق أوقاتًا خاصة بي لأختبئ عن العالم.. لأكتشف طبيعةً لطالما أسرتني.. لكن يوم الثلاثاء هذا، لم يكن كباقي الأيام، ففكرة الابتعاد عن البيت لم تكن صائبة أبدًا، ورغبتي الاستكشافية المشتعلة، قد اشتعلت في غير وقتها المناسب..
إذ وأنا أقف على رجلاي الصغيرتان، فوق الأرض الرحبة، أحسست بشيء قاسٍ تحت نعالي، حاولت أن اضغط عليه بكل ثقلي لأكتشف ماهو (كعادتي الاستكشافية الدائمة)، وفجأة أحسست الأرض قد ارتعشت تحتي، فقدتُ توازني، وهويتُ أسفل الأرض السحيقة..
كان إحساسًا مرعبًا، أكثر رعبًا من القصص المخيفة التي سمعتها عن الغول.. كانت دقات قلبي ترتفع، تكاد تصل لحلقي، وجسمي يرتعد خوفًا..
حتى تلقفتني الأرض في الأسفل، واصطدمتُ بقوة كبيرة على صخرة قاسية، كادت تكسر أضلعي.. غبتُ عن الوعي ساعاتٍ طويلةٍ، وما إن فتختُ عيناي حتى أظلمت الدنيا في وجهي، لم أعرف هل حل الليل، أم أن الأرض التي ابتلعتني لونها أسود قاتمٌ؟
حاولتُ أن أبكي فما وجدتُ قدرة على ذلك، حاولت أن أنادي أمي، فمن عادتي إذا خفت أنا أناديها، لكنّ لساني خانني.. كانت يدي هي الوحيدة التي تتحرك، وباقي أطراف جسمي مخدرة، وتوخزني كأنها أسلاك كهربائية تنخر مفاصلي..
لم أعرف ما أفعل، فأنا صغير، لا أقوى على التفكير في الأزمات، ولا أعرف كيف أقوم بالعمليات العقلية المناسبة لمثل هذه اللحظات..
كل ما كان يغزوني هو إحساسٌ عميقٌ بالخوف والذعر، كنت خائفا من الظلمة، من الألم، من بعدي عن أمي وأبي، من البرودة التي غلّفت جسمي الغض الصغير.. هذا كل ماكنت أحسه: الخوف.
لكن خارجا كان تحدث أمور أكبر من الخوف.. كانت الأرض تُقتلع من مكانها للوصول إليّ، لقد هدُّوا جبلاً كاملاً، حتى ينقذوني، وأتى الناس من كل حدب وصوبٍ، يكبرون الله، ويدعونه لينجيني.
بل كل العالم سمع بقصتي، وصارت ألسن الخلق تلهج بالدعاء لنجاتي.. اعتبرتني الأمهات ابنهن، والأطفال أخوهم، حتى الأعداء اتحدوا، وأصبحوا يدًا واحدةً، لا تهمها سوى نجاتي..
أمضيت نهاراتٍ، وليالٍ باردة! وكل يوم يوم يمضي، يأخذ معه أنفاسي، ويزيد من آلامي.. كنت أفقد الوعي طواعية، لأعود وأفتح عيناي وأجد نفسي على نفس الحال، ورغم بعض الأمان الذي اعتراني، حين كنت أسمع أصواتا من بعيد تناديني، وحبالاً تُلقى من الأعلى، فيها كاميراتٌ تترصد أنفاسي، إلا أنني كنتُ عاجزًا عن الفهم، أو الكلام، والحركة..
كانت تأتيني أحلامٌ جميلةٌ بين الفينة والأخرى، أحلم اني أطير، أقطف الزهور من مزارع قريتي الخضراء، وألاحق الفراشات.. وأصطاد الحشرات الصغيرة.. كنتُ أبتسم رغم الألم..
بقيتُ أنتظر مصيري المحتوم، واستسلمتُ لقدري.
مضتْ خمسة أيام، بذعرِ نهارها، وسواد ليلها، بقلق العالم وخوفه وترديد دعواته.. إلى أن استنزف جسمي كل طاقته، واستنفذتُ انا أنفاسي التي منحها الله لي..
لا تبكي علي يا أمّي، فأنا لم أتألم كثيرا.. بالكاد فهمت الذي يحصل معي.. لقد كنت بين يدي الله..
ابكيني قليلا فحسب، لتمسحي حسرتك، واصبري باقي أيامك..
فالعمر طويل.. ولا أريدك أن تخسريه في الدموع..
فالله شاء أن أولد وأعيش ما قدره لي، وأن لا أرحل كما يرحل الناس العاديون..
لقد رحلت بعد أن عرفني كل العالم، وسمع بقصتي ودعا لي ولكِ، اعتبريه عزاءًا دائمًا لك، فكما كنت تحلمين أن اكون بطلا في المستقبل، ها أنها قد حققت حلمك بسرعة وجعلت العالم يدا واحدة تتفق في خمسة أيام.
لقد تركتُ رسالة للعالم، رغم صغر سني، أعلمهم فيها، أن رب الكون واحد، وأننا لنرجع إليه لابد أن نتحد، لابد أن تكون دعواتنا واحدة، ومواقفنا واحدة، وقلوبنا على رجل واحد!
نعم يا أمي أنا وُلدت لأرحل، ولأعلم الأمة أن هدفها هو الاتحاد لا التفرقة.
سأنام الآن بهدوء، فلا خوف على الأطفال، إنهم في حمى الرحمان.