همسات الدم

هنا مكان القصص القصيرة والمسلسلة والقصيرة جدا..
قوانين المنتدى
المرجو الابتعاد عن القصص الإباحية وقصص علاقات الخيانة وكل علاقة محرمة
أضف رد جديد
رائد قاسم
عضو جديد
عضو جديد
مشاركات: 10
اشترك في: 20 سبتمبر 2021, 06:25

همسات الدم

مشاركة بواسطة رائد قاسم »

همسات الدم
قصة قصيرة
رائد قاسم
يدخل عليه اربعة جنود في الصباح الباكر على غير العادة .. يستشعر خطر قادم ... يسأله قائدهم عن صحته فيجيبه بأنه بخير.. يطلب منه ان يجهز نفسه فاليوم هو موعد تنفيذ حكم الاعدام به.. لا يستطيع احتمال وقع ما سمعه فيخر على الارض ..
يسألهم لماذا لم يخبروه من قبل لكي يحضر نفسه للموت إلا انهم لا يجيبونه .. يمسكون به ويخرجونه من زنزانته وقدميه تخط الارض ... يصرح بشدة وعنف.. يتحدث بصوت مرتفع قائلا للسجناء الذين ينظرون اليه من القضبان الحديدية : اليوم سيقتلونني بعد ان احترق كرتي ولم يعد يساوي الماء الذي يبلله ! هل انا الذي اصدرت احكام الاعدام في ذلك الوقت؟ انا مجرد عنصر انفذ الاوامر .. انا بريء .
يشاركه بعض السجناء في صياحه المدوي ويودعه احدهم قائلا: سنلتقي جميعا في الجحيم.
يستسلم لقدره.. يعتدل في قوامه ويمشي مع جلاديه في هدوء ... يسيرون في دهليز معتم كئيب في اخره غرفة مضيئة .. سرعان ما يصلونها ، يشاهد لافتة مكتوب عليها "غرفة الإعدام" .. يدخلها وقد انعقد لسانه إلا انه ما ان وطأها برجله حتى تذكر مقر عمله الذي لم يختمه بالتقاعد كما كان يرجوا ... انها تشبه الغرفة التي عمل فيها لأكثر من ثلاث عقود .. يجلس على كرسي مخصص له وقد امتلأت بالجنود ... دقائقه تمر كأنها ساعات طويلة ، يقطعها دخول ضابط حليق الذقن متأنق كأنه خارج للتو من صالون حلاقة وقد صنفر وجهه وصفاه من ألشوائب .. يقف له العسكر احتراما وتبجيلا ثم يجلس على مكتب متواضع ويراجع اوراق السجين المدان .. يسود الصمت ، يلقي الملف على الطاولة ، يشير على الجنود المباشرة في تنفيذ حكم الإعدام .. يقيدون يديه خلف ظهره ويتقدمون به نحو المقصلة ، يسأله احدهم ان كان يريد شيئا قبل موته ، فيجيبه قائلا : اتمنى ان اراك قربيا في جهنم.
يوقفونه امام حبل المشنقة بانتظار امر تنفيذ الحكم ، يأمرهم الضابط بالابتعاد عنه ثم يقف نحوه وجه لوجه .. ينظر الى وجه الكئيب الشاحب مطولا .... يتأمله وقد تمكن منه اليأس واستسلم لمصيره ثم يسأله:
- ألا تعرفني من انا؟
- وأي شان لك لأعرفك ؟
- انظر الي جيدا ، دقق في معالم وجهي.
- كيف لي ان افعل ذلك وأنا رجلا على عتبة الموت.
- لقد التقينا من قبل.
- انا في الستينات من عمري الذي قربت نهايته وأنت على ما يبدوا في نهاية العشرينات فمتى كان ذلك؟
يعرض عن اجابته ..
- أتركني اواجه مصيري فانا ذاهب الى قبري بينما ستمضي انت الى قصرك. ألا انه يهمس له في اذنه ... تتغير ملامحه .. يسود وجهه الخوف ثم يتملكه رعب عارم ويصرخ قائلا
- مستحيل ، مستحيل .. لا اصدق ما تقول .
يتقدم اليه الجنود ويدنوه من حبل ألمشنقة .. ينظر الى الحبل وقد بدت اطرافه ترتعش ..
- انهوا الحبل نفسه ،انني لا ازال اذكره ولكن انت ...
لا يتمكن من اتمام حديثه .. يلف الجلاد الحبل على عنقه ويضع القناع الاسود على وجهه ليستأنف كلامه قائلا :
- انت ! لا يمكن ان تكون انت!
يفتحون بوابة المقصلة ليتدلى جسده ويلفظ انفاسه الاخيرة
**
- لماذا تنتقمون مني بالموت ؟
- لان الموت اقسى عقوبة فهو نقيض الحياة.
- لعلها لرجل في مقتبل العمر اما انا ففي نهاية الستينات من عمري الشقي ، لو حكمتم بسجني بقية حياتي لكانت عقوبة اشد من الموت.
لا يجيبه القاضي ويأمر بتنفيذ الحكم الذي اصدره بحقه.. يرسل الى السجن وهناك يقضي ايام وليالي في الزنزانة التي ستكون فيها بداية نهايته..
ألا انه لا يهتم كثيرا فيستلقي على فراشه في هدوء وكأنه مل الحياة بعد ان اخذ منها ما يريد..
كان يرافقه سجين اخر ظل معه لعدة اسابيع ثم نقل الى زنزانة اخرى فتوقع ان يوم اعدامه بات قريبا .. يشعر بحر شديد بعد ان اطفات اجهزة التكييف.. فجاة تدخل الزنزانة اعداد كبيرة من الذباب والصراصير والخنافس لتملئها وتحول حياته الى جحيم لا نظير له ..
يرفع صوته عاليا طالبا النجدة ولكن لا احد يجيبه .. يصيح .. ينتحب.. يستغيث .. لا احد يكثر بأمره وكأنه غير موجود..
يصرخ صراخا عاتيا.. يطلب ان ينفذ فيه حكم الاعدام على الفور ..
يقدم له الطعام فتسبقه اليه الحشرات.... يقول بأعلى صوته :
- اعدموني .
تمر عليه عدة ايام والحشرات تساكنه في حبسه ، يقتل منها الكثير ألا ان دخولها الى الزنزانة لا يتوقف ... في ذات مساء وبينما كان يصارعها اذ بالباب يفتح فيظن ان بارقة امل قد لاحت له ، يدخل عليه الضابط بصحبة عدد من الجنود الآخرين ... يهرول اليه ويشكوا اليه معاناته الرهيبة الا انه يستمع له بلا مبالاة ...
- الا ترى هذه الحشرات اللعينة تملا زنزانتي ! لماذا يفعلون بي ذلك؟
يمسك بذراعيه ويستمر في التحديق به...
- الم تكن احدى هذه الحشرات من قبل؟
يصدم من رده... يتراجع خطوات الى الوراء...
- كنت انتظر هذه اللحظة منذ ثلاثين عام.
- من انت وماذا تريد؟
يدنو منه ويضع فمه في احدى اذنيه ويهمس له ..
يعتريه خوفا مهول... ينظر له برعب ويبتعد عنه الى اخر الزنزانة ...
- لا يمكن ان تكون انت ؟ انت تكذب .
يخرج الضابط مع جنوده ليظل وحيدا مع مئات الحشرات التي تملا زنزانته..
يحاول اخراج رأسه من قضبان بابها الحديدي ويقول بأعلى صوته..
- انت كذاب لئيم.
يستلقي مستندا على الحائط وهو في قمة يأسه ..
- لا يمكن ان يكون ما يقوله هذا صحيحا ..الويل له .. اللعنة عليه..
يستحكم به القنوط ..تنهال دموعه.. يسري الخوف في اعماقه .. ينتحب ويبكي بكاء فضيعا .. يتدحرج ويقول بأعلى صوته :
اعدموني ! ..
فجأة يخرج له حبل يتدلى من سقف الزنزانة.. يتطلع اليه بعينين متوهجتين
يسارع الى الامساك بالحبل ألا انه سرعان ما يعود إدراجه ..
- تعال يا مخلصي ومنقذني ارجوك.
يظهر له الحبل مرة اخرى فيمسك به بسرعة وهو يبكي ويضحك في ان وأحد .. ينظر له باندهاش ... دموع القهر تنهمر منه بغزارة ...
يلف الحبل على رقبته ويصرخ قائلا :
- هيا .
دقائق حياته الاخيرة تمر عليه بطيئة وقاسية..
تهدا انفاسه ، تلسعه الحشرات في انحاء جسده ألا انه لا يبالي بها .. ينظر الى الاعلى تارة والى اخمض قدميه تارة أخرى ويقول باعلى صوته:
- اللعنة عليكم!
يرتفع به الحبل لتنقطع انفاسه ويغدوا جثة هامدة ووجبة دسمة للحشرات
ومستعمرة للهوام.

**
- الليل مظلم معتم إلا من هذه المصابيح البيضاء الكئيبة... لا حرس هنا.. تستطيع ان تمضي حيث شئت وحدودك هذه الاسلاك الكهربائية المتوحشة ، اذا ما اقتربت منها سوف تشعر ببدء سريان صعقة كهربائية وإذا لم تتراجع فسوف تتحول الى جثة محترقة .. يا لسخرية القدر هذا السجن كان فكرتي وها انا اسجن فيه !!
تمر عليه الايام متشابهة ولكن في تلك الليلة سمع اسمه عبر مكبرات الصوت تدعوه للخروج الى ساحة السجن ... ما ان يخرج حتى تغلق بوابة مبنى السجناء ... يشعر بقلق شديد ... يسمع صوت مركبة قادمة .. تفتح البوابة الحديدية وسط الاسلاك الشائكة لتعبر منها سيارة محصنة لتقف بوسط الساحة ثم تغلق مرة أخرى ..
دقائق ويخرج منها الضابط وعدد من الجنود المرافقين له.. ينظر له بذهول وهم يتقدمون نحوه ثم يقف الضابط أمامه قائلا:
- لم تتغير كثيرا عن الصورة التي رأيتك فيها ، كانت قبل عشر سنوات فقط.
- ( بتوتر وقلق) من انت ؟ وماذا تريد؟
- انت تعرفني ولا تعرفني في نفس الوقت.
- وان عرفتك او لم اعرفك ماذا يهمني ؟
- انتم هكذا لا تهتمون سوى بالمكاسب، تدهسون أي شي حتى لو كان لا يسبب لكم اذى لمجرد فقط انه يقف في طريقكم.
- من انت؟
- بإمكانك ان تبعده عن طريقك دون او تؤديه ولكنك وأمثالك لا ترون البشر
سوى قطط شوارع لا قيمة لها.
يشعر بالخوف إلا انه يتمالك نفسه ويسأله:
- ماذا تريد مني؟
يضع فمه في اذنه ويهمس له ....
تتغير ملامح وجهة .. يتملكه الذعر .. يبتعد عنه ...
- ما تقوله محض هراء لا يمكن ان يحدث هذا ابدا.
ينظر له الضابط بمكر وكبرياء .. يصفق بيديه ليأتي له احد الجنود بعلبة سوداء ..
- ادنوا مني ، لن اصيبك بأي سوء .
يدنوا منه ليقف في قباله...
يأمره بفتح العلبة .. يتردد ألا ان يأمره بحزم فيفتحها ليشاهد حبلا .. يمسكه وقد احتار في امره ..
- هل تذكر هذا الحبل؟
يتذكره سريعا فترتعش يداه ليسقط الحبل على الارض ..
ينظر الى الضابط بخوف شديد والرعب قد تمكن منه ...
- انه هو اليس كذلك؟
- ( بأنفاس متقطعة) نعم انه هو.
- وقد عاد اليك لينفذ مهتمة الاخيرة.
ألا انه يجيبه بغضب:
- كلا لن اسمح لك بذلك.
يمسك به من صدره بقبضة يديه ..
- لطالما وضعته على رقاب خرمت اعمار اصحابها على يديك.
- اذن انت تريد قتلي ؟
- كلا انت محكوم عليك بالسجن المؤبد وانأ احترم القانون.
ياخذ الجنود الحبل .. يصعد الضابط معهم الى السيارة ويرحلون.. تنظفا انوار السجن ليعم ظلام بهيم...يحاول العودة الى زنزانته الا ان البوابة لا تزال مقفلة... ينادي بأعلى صوته لفتحها ولكن لا احد يسمعه..
ثم تنار انوار السياج الكهربائية المميتة.....
يفهم الرسالة... يستلقي على الارض متحديا .. يسمع صوت كلب شرس يتقدم منه ... يهرب منه بسرعة إلا ان الكلب المتوحش يجري وراءه ... لا يرى بدا من الموت.. يسرع الخطى نحو الاسلاك الشائكة ليتحول الى جثة متفحمة .. تعود الاضاءة للسجن ، يخرج الجنود لينتشلوا جثمانه ليعم ارجاءه هدوء حذر بعد احداث رعب مهولة .. يسدل الستار على الهمسات الدامية ألا مسلسلها سيظل يعرض على شاشة الحياة الى الابد.

أضف رد جديد

العودة إلى ”منتجع القصص“