صفحة 1 من 1

يا قدس

مرسل: 08 يوليو 2023, 09:57
بواسطة حاج بوليفة
ما كلُّ مَنْ نطقوا الحروفَ أبانوا


فلقد يَذوبُ بما يقولُ لسانُ
لغة الوفاءِ شريفةٌ كلماتُها


فيها عن الحبِّ الأصيلِ بَيانُ
يسمو بها صدقُ الشعور إلى الذُّرا


ويزُفُّ عِطْرَ حروفها الوجدانُ
لغةٌ تَرَقْرَقَ في النفوس جمالُها


وتألَّقتْ بجلالها الأَذهانُ
يجري بها شعري إليكم مثلما


يجري إلى المتفضِّل العِرْفانُ
لغةُ الوفاء، ومَنْ يجيد حروفَها


إلا الخبير الحاذق الفنَّانُ؟
أرسلتُها شعراً يُحاط بموكبٍ


من لهفتي، وتزفُّه الألحانُ
ويزفُّه صدقُ الشعور وإِنَّما


بالصدق يرفع نفسَه الإِنسانُ
أرسلتُ شعري والسَّفينةُ لم تزلْ


في البحر، حار بأمرها الرُّبَّانُ
والقدس أرملةٌ يلفِّعها الأسى


وتُميت بهجةَ قلبها الأحزانُ
شلاَّلُ أَدْمُعِها على دفَقاته


ثار البخار فغامت الأَجفانُ
حسناءُ صبَّحها العدوُّ بمدفعٍ


تَهوي على طلقاته الأركانُ
أَدْمَى مَحاجرها الرَّصاص ولم تزلْ


شمَّاءَ ضاق بصبرها العُدوانُ
لْقى إليها السَّامريُّ بعجله


وبذاتِ أَنواطٍ زَهَا الشَّيْطَانُ
نَسي المكابرُ أنَّ عِجْلَ ضلالِه


سيذوب حين َتَمُّسه النيرانُ
حسناءُ، داهمَها الشِّتاءُ، ودارُها


مهدومةٌ، ورضيعُها عُريانُ
وضَجيج غاراتِ العدوِّ يَزيدها


فَزَعاً تَضَاعف عنده الَخَفقانُ
بالأمسِ ودَّعها ابنُها وحَليلُها


وابنُ اْختها وصديقُه حسَّانُ
واليوم صبَّحتِ المدافعُ حَيَّها


بلهيبها، فتفرَّق الجيرانُ
باتت بلا زوجٍ ولا اِبنٍ ولا


جارٍ يَصون جوارَها ويُصَانُ
يا ويحَها مَلَكتْ كنوزاً جَمَّة


وتَبيت يعصر قلبَها الِحرْمانُ
تَستطعم الجارَ الفقيرَ عشاءَها


ومتى سيُطعم غيرَه الُجوْعَانُ
صارتْ محطَّمةَ الرَّجاء، وإنَّما


برجائه يتقوَّت الإِنسانُ
يا قدسُ يا حسناءُ طال فراقُنا


وتلاعبتْ بقلوبنا الأَشجانُ
من أين نأتي، والحواجزُ بيننا:


ضَعْفٌ وفرقةُ أُمَّةٍ وهَوانُ؟
من أين نأتي، والعدوُّ بخيله


وبرَجْلهِ، متحفِّزٌ يَقْظَانُ؟
ويَدُ العُروبةِ رَجْفَةٌ ممدودةٌ


للمعتدي وإشارةٌ وبَنانُ؟
ودُعاةُ كلِّ تقُّدمٍ قد أصبحوا


متأخرين، ثيابُهم أَدْرَانُ
متحدِّثون يُثَرْثِرُون أشدُّهم


وعياً صريعٌ للهوى حَيْرانُ
رفعوا شعارَ تقدُّمٍ، ودليلُهم


لِينينُ أو مِيشيلُ أو كاهانُ
ومن التقدُّم ما يكون تخلُّفاً


لمَّا يكون شعارَه العصيانُ
أين الذين تلثَّموا بوعودهم


أين الذين تودَّدوا وأَلانوا؟
لما تزاحمت الحوائجُ أصبحوا


كرؤى السَّراب تضمَّها القيعانُ
كرؤى السَّرابِ، فما يؤمِّل تائهٌ


منها، وماذا يطلب الظمآنُ؟
يا قدس، وانتفض الخليلُ وغَزَّةٌ


والضِّفتان وتاقت الجولانُ
وتلفَّت الأقصى، وفي نظراته


أَلَمٌ وفي ساحاته غَلَيانُ
يا قُدس، وانبهر النِّداءُ ولم يزلْ


للجرح فيها جَذْوةٌ ودُخانُ
يا قدس، وانكسرتْ على أهدابها


نَظَراتُها وتراخت الأَجفانُ
يا قُُدْسُ، وانحسر اللِّثام فلاحَ لي


قمرٌ يدنِّس وجهَه استيطانُ
ورأيتُ طوفانَ الأسى يجتاحُها


ولقد يكون من الأسى الطوفانُ
كادت تفارق مَنْ تحبُّ ويختفي


عن ناظريها العطف والتَّحنانُ
لولا نَسائمُ من عطاءِ أحبَّةٍ


رسموا الوفاءَ ببذلهم وأعانوا
سَعِدَتْ بما بذلوا، وفوقَ لسانها


نَبَتَ الدُّعاءُ وأَوْرَقَ الشُّكرانُ
لكأنني بالقدس تسأل نفسَها


من أين هذا الهاطلُ الَهتَّانُ؟
من أين هذا البذلُ، ما هذا النَّدى


يَهمي عليَّ، ومَنْ هُم الأَعوانُ؟
هذا سؤال القدس وهي جريحةٌ


تشكو، فكيف نُجيب يا سَلْمانُ؟
وتشرَّف التاريخ حين سَمَتْ به


أخبارُهم، وتوالت الأَزمانُ
في أرضنا للناس أكبرُ شاهدٍ


دينٌ ودنيا، نعمةٌ وأَمانُ
هي دوحةُ ضَمَّ الحجازُ جذورَها


ومن الرياض امتدَّت الأَغصانُ
الأصل مكةُ، والمهاجَرُ طَيْبةٌ


والقدسُ رَوْضُ عَراقةٍ فَينانُ
شيمُ العروبة تلتقي بعقيدةٍ


فيفيض منها البَذْلُ والإحسانُ
للقدس عُمْقٌ في مشاعر أرضنا


شهدتْ به الآكامُ والكُثْبانُ
شهدت به آثارُ هاجرَ حينما


أصغتْ لصوت رضيعها الوُديانُ
شهدت به البطحاء وهي ترى الثرى


يهتزُّ حتى سالت الُحْلجانُ
ودعاءُ إبراهيمَ ينشر عطره


في الخافقين، وقلبُه اطمئنان
هذي الوشائج بين مهبط وحينا


والمسجد الأقصى هي العنوانُ
هو قِبلةٌ أُولى لأمتنا التي


خُتمت بدين نبيِّها الأديانُ
أوَ لَمْ يقل عبدالعزيز وقد رأى


كيف الْتقى الأحبار والرُّهبانُ
وأقام بلْفُورُ الهياكلَ كلَّها


للغاصبين وزمجر البُركان
وتنمَّر الباغي وفي أعماقه


حقدٌ، له في صدره هَيجَانُ
وتقاطرتْ من كلِّ صَوْبٍ أنْفُسٌ


منها يفوح البَغْيُ والطغيانُ
وفدوا إلى القدس الشريف، شعارهم


طَرْدُ الأصيل لتخلوَ الأوطانُ
وفد اليهود أمامهم أحقادهم


ووراءهم تتحفَّرُ الصُّلبان
أوَ لم يقل عبدالعزيز، وذهنُه


متوقدٌ، ولرأيه رُجْحَانُ
وحُسام توحيد الجزيرة لم يزلْ


رَطْباً، يفوح بمسكه الميدانُ
في حينها نَفضَ الغُبارَ وسجَّلَتْ


عَزَماتِه الدَّهناءُ والصُّمَّانُ
أوَ لم يَقُلْ، وهو الخبيرُ وإِنما


بالخبرةِ العُظْمى يقوم كيانُُ
مُدُّوا يدَ البَذْلِ الصحيحةَ وادعموا


شعبَ الإِباءَ فإنهم فُرْسَانُ
شَعْبٌ، فلسطينُ العزيزةُ أَنبتتْ


فيه الإباءَ فلم يُصبْه هَوانُ
شَعْبٌ إذا ذُكر الفداءُ بَدا له


عَزْمٌ ورأيٌ ثاقبٌ وسنانُ
شعبٌ إذا اشتدَّتْ عليه مُصيبةٌ


فالخاسرانِ اليأسُ والُخذلاُن
لا تُخرجوهم من مَكامنِ أرضهم


فخروجُهم من أرضهم خُسران
يا قُدْسُ لا تَأْسَي ففي أجفاننا


ظلُّ الحبيبِ، وفي القلوبِ جِنانُ
مَنْ يخدم الحرمين يأَنَفُ أنْ يرى


أقصاكِ في صَلَفِ اليَهودِ يُهانُ
يا قُدسُ صبراً فانتصاركِ قادمٌ


واللِّصُّ يا بَلَدَ الفداءِ جَبَانُ
حَجَرُ الصغير رسالةٌ نُقِلَتْ على


ثغر الشُّموخ فأصغت الأكوانُ
ياقدسُ، وانبثق الضياء وغرَّدتْ


أَطيارُها وتأنَّقَ البستانُ
يا قدس، والتفتتْ إِليَّ وأقسمتْ


وبربنا لا تحنَثُ الأَيمانُ
واللّهِ لن يجتازَ بي بحرَ الأسى


إلاَّ قلوبٌ زادُها القرآنُ
عبد الرحمن العشماوي