زيت الزيتون -جويدة (2) (مسابقة قصتك بقلمي)
مرسل: 16 نوفمبر 2022, 23:07
كان أوس كمن يفترش أشواكا، يتقلب يمنة ويسرة ويحاول بيديه الصغيرتين تهدئة جلده، فلا يزيدها إلا اهتياجا، ويغرقني ذلك حسرة وأسفا عليه وشعورا بالذنب ...كيف لأم ألا تعرف كيف تداوي ابنها؟ وكيف لم أستطع تخفيف وجعه؟ وكيف لي بالنوم وهو يتلوى ويئن من حرقة جلده، وقد غزته بثور لا علم لي بمصدرها، وقد أعجزت الأطباء والعشابين وسائر الأمهات.
رحت أتفقد بشرته ثانية، وقررت تغيير ملابسه الداخلية، لعله يطمئن لبعض الوقت، وحتى الملاءة غيّرتها، وجلست أراقبه عن كثب، وأستمتع بحركاته العفوية، وهو في عالم الأحلام ...ابتسمت وأنا أتخيله يحلم شيئا عن سبونج بوب وهو يرافقه للذهاب إلى الروض.
ها هو يتعرق من جديد، حتى حبيبات العرق على جبينه الشبيهة باللؤلؤ تعجبني.
عاد لفرك جلده ثانية، لعل العرق يثير حكته، عليّ أن أجفف جبينه وسائر جلده، ربما نام قليلا.
شككت بارتفاع حرارته فقستها سريعا، وأدركني الاطمئنان بمجرد سماع طنينها البطيء، فعدت لتغيير ملابسه وملائته، وفتحت النافذة شيئا ما، وعدت أمارس تأملي، وأنا ألوّح باتجاهه بمروحة يدوية، كي أمنع تعرقه ثانية، ولعله ينعم ببعض النوم.
ما أجمل هذا الذئب الصغير! إنه جميل لأنه يشبه جدي، ولعله يصبح يوما مثله، لما لا؟ فللجينات أحكام، وسأقوّمه ما استطعت ليكون نسخة عنه.
جال بخاطري فكرة استنساخ الأرواح التي يؤمن بها الهنود، كأن يموت جسد جدي، وتنتقل روحه إلى جسد أوس ...ابتسمت للفكرة الغبية التي انتابتني على حين غرة.
سمعت خطوات قادمة نحوي، فلم ألتفت، إنه حتما زوجي، سيسأل عن الطعام أول شيء بعد إلقاء السلام، وقبل أن يبادر، سبقته برد على سؤال لم يطرح:
- وعليكم السلام، الأكل بانتظارك منذ ساعة وقد برد، بطاطا محشوة وصلصة الجبن وشوربة، ولم يعد هناك فاكهة، اتصلت بك لأخبرك لكنك لم تكلف نفسك عناء الرد علي.
ردّ بكلمات ملحنة بقهقهات صغيرة
- وعليك السلام، هجوم موفق، كنت بالمقهى مع أصدقائي، وقد أحضرت لك الخوخ الذي تحبين، أحمر وطري.
- حين تكون معهم يمنع عليك الرد على اتصالاتي؟ التفت قائلة بجدية.
- ما بك وفاء؟ قد اعتذرت منك، ف..مرريها والله كنت أنوي الرد ولكن أحاديثا شيقة منعتني من قطعها ...كانوا يتحدثون عن كتاب مثير، ولم أفوت الفرصة لشرائه لك هدية، واشتريت كتابا آخر نال إعجابي بعد قراءة مراجعته...ابدئي بأيّهما شئت ...قال ذلك راضيا ومبتسما.
- حسن، تظن أن ذلك سيشفع لك عندي لتجاهلي؟
- أجل، لأنني أعرف ولعك بالكتب، ما أخبار أوس اليوم؟ لقد اشتقت إليه.
- لأجله اتصلت، بودي أن نأخذه لطبيب آخر، ربما لا تكون حساسيته جلدية وإنما عارض لمرض، قلبي يتمزق وأنا أراه مرهقا كل يوم لقلة نومه، انظر لحال بشرته، إنها تزداد سوءا.
كانت نظرات زوجي عميقة حزينة، ولكنه كان يعتقد أن حالة أوس ستزول تلقائيا مع التقدم بالعمر ككثير من الأطفال، لذا كان يصبر على وضعه ويصرّ على عدم أخذه لأطباء آخرين غير الذي عاينه أول مرة.
- أتعلم؟ أخبرتني منيرة وكذا جويدة اليوم أن نجرب غسل جلده بالصابون الطبيعي ثم نجففه جيدا وندلكه بزيت الزيتون، فان ذلك سيرطب بشرته ويخلصه من الحبوب
انكمش وجه زوجي فجأة حتى تقلص للنصف انزعاجا:
- فلتحتفظ صديقتيك بنصائحهما لنفسيهما، تعرفين كرهي لزيت الزيتون، لذا لا تصري، ولو كان علاجه الوحيد، فلو دخل زيت الزيتون بيتي خرجت منه على الفور...انظري؟ لقد انقلبت معدتي للتو، ولم يعد بي حاجة للأكل
رحت أتودد إليه وألاطفه وأتوسل، وبداخلي عملاق يود أن ينفجر بوجهه:
- أرجوك، أيتيح لك خاطرك أن تراه يتعذب، ولا نجرب زيت الزيتون؟ بالنهاية ليس سوى زيتا، وإن وضعت قليلا منه على جلده، فقط القليل، لن يصدر منه رائحة، وأعدك سنجرب أولا جزءا بسيطا من جلده، على الظهر مثلا، لن تشم شيئا، أساسا ستمتصه بشرته، فقط لنعرف إن كان سيعالجه أم لا، سنجرب ليومين أو ثلاثة، وسأطبقه عليه صباحا حين تغادر للعمل، ولحين تعود لن يبقى له إثر بعد تحميمه.
حركت عيني ورسمت على وجهي كل علامات الاستعطاف كما كنت أمارسها على أمي فترضخ مباشرة، ولكن رجلي الحديدي ما زاده ذلك إلا إصرارا وتشددا:
- مستحيل، لا تحاولي، لا أتقبل أن يغمر طفلي بداخل حمام زيت الزيتون أبدا، سنأخذه لطبيب جديد صباح غد وسنجري له تحاليل الدم ...غيري ملامح وجهك الآن، مرريها، مرريها.
قلت في نفسي حينها:
- نصر آخر، لاحد يغلب وفاء في المفاوضات، منذ العهد الفينيقي وأنا أطالبه بتغيير الطبيب، وعند اقتراح تجريب زيت الزيتون، استجاب الرجل سريعا، ولو أصريت لرجاني، ولو زدت إصرارا لقدّم تنازلات أخرى، على أمل عدم دخول زيت الزيتون بيته، يا للرجال!
- حسن، ما دمت تصر.
رسمت وجه المنهزم البشوش، وأقبلت على الكتابين بسرور، واتجه زوجي مستقبلا المطبخ ليضع الخوخ في الثلاجة، وغادر مسرعا إلى غرفة النوم ولم يسأل عن الأكل بعد الذي كان، ووفرت عشاءنا لغذاء الغد.
رحت أتفقد بشرته ثانية، وقررت تغيير ملابسه الداخلية، لعله يطمئن لبعض الوقت، وحتى الملاءة غيّرتها، وجلست أراقبه عن كثب، وأستمتع بحركاته العفوية، وهو في عالم الأحلام ...ابتسمت وأنا أتخيله يحلم شيئا عن سبونج بوب وهو يرافقه للذهاب إلى الروض.
ها هو يتعرق من جديد، حتى حبيبات العرق على جبينه الشبيهة باللؤلؤ تعجبني.
عاد لفرك جلده ثانية، لعل العرق يثير حكته، عليّ أن أجفف جبينه وسائر جلده، ربما نام قليلا.
شككت بارتفاع حرارته فقستها سريعا، وأدركني الاطمئنان بمجرد سماع طنينها البطيء، فعدت لتغيير ملابسه وملائته، وفتحت النافذة شيئا ما، وعدت أمارس تأملي، وأنا ألوّح باتجاهه بمروحة يدوية، كي أمنع تعرقه ثانية، ولعله ينعم ببعض النوم.
ما أجمل هذا الذئب الصغير! إنه جميل لأنه يشبه جدي، ولعله يصبح يوما مثله، لما لا؟ فللجينات أحكام، وسأقوّمه ما استطعت ليكون نسخة عنه.
جال بخاطري فكرة استنساخ الأرواح التي يؤمن بها الهنود، كأن يموت جسد جدي، وتنتقل روحه إلى جسد أوس ...ابتسمت للفكرة الغبية التي انتابتني على حين غرة.
سمعت خطوات قادمة نحوي، فلم ألتفت، إنه حتما زوجي، سيسأل عن الطعام أول شيء بعد إلقاء السلام، وقبل أن يبادر، سبقته برد على سؤال لم يطرح:
- وعليكم السلام، الأكل بانتظارك منذ ساعة وقد برد، بطاطا محشوة وصلصة الجبن وشوربة، ولم يعد هناك فاكهة، اتصلت بك لأخبرك لكنك لم تكلف نفسك عناء الرد علي.
ردّ بكلمات ملحنة بقهقهات صغيرة
- وعليك السلام، هجوم موفق، كنت بالمقهى مع أصدقائي، وقد أحضرت لك الخوخ الذي تحبين، أحمر وطري.
- حين تكون معهم يمنع عليك الرد على اتصالاتي؟ التفت قائلة بجدية.
- ما بك وفاء؟ قد اعتذرت منك، ف..مرريها والله كنت أنوي الرد ولكن أحاديثا شيقة منعتني من قطعها ...كانوا يتحدثون عن كتاب مثير، ولم أفوت الفرصة لشرائه لك هدية، واشتريت كتابا آخر نال إعجابي بعد قراءة مراجعته...ابدئي بأيّهما شئت ...قال ذلك راضيا ومبتسما.
- حسن، تظن أن ذلك سيشفع لك عندي لتجاهلي؟
- أجل، لأنني أعرف ولعك بالكتب، ما أخبار أوس اليوم؟ لقد اشتقت إليه.
- لأجله اتصلت، بودي أن نأخذه لطبيب آخر، ربما لا تكون حساسيته جلدية وإنما عارض لمرض، قلبي يتمزق وأنا أراه مرهقا كل يوم لقلة نومه، انظر لحال بشرته، إنها تزداد سوءا.
كانت نظرات زوجي عميقة حزينة، ولكنه كان يعتقد أن حالة أوس ستزول تلقائيا مع التقدم بالعمر ككثير من الأطفال، لذا كان يصبر على وضعه ويصرّ على عدم أخذه لأطباء آخرين غير الذي عاينه أول مرة.
- أتعلم؟ أخبرتني منيرة وكذا جويدة اليوم أن نجرب غسل جلده بالصابون الطبيعي ثم نجففه جيدا وندلكه بزيت الزيتون، فان ذلك سيرطب بشرته ويخلصه من الحبوب
انكمش وجه زوجي فجأة حتى تقلص للنصف انزعاجا:
- فلتحتفظ صديقتيك بنصائحهما لنفسيهما، تعرفين كرهي لزيت الزيتون، لذا لا تصري، ولو كان علاجه الوحيد، فلو دخل زيت الزيتون بيتي خرجت منه على الفور...انظري؟ لقد انقلبت معدتي للتو، ولم يعد بي حاجة للأكل
رحت أتودد إليه وألاطفه وأتوسل، وبداخلي عملاق يود أن ينفجر بوجهه:
- أرجوك، أيتيح لك خاطرك أن تراه يتعذب، ولا نجرب زيت الزيتون؟ بالنهاية ليس سوى زيتا، وإن وضعت قليلا منه على جلده، فقط القليل، لن يصدر منه رائحة، وأعدك سنجرب أولا جزءا بسيطا من جلده، على الظهر مثلا، لن تشم شيئا، أساسا ستمتصه بشرته، فقط لنعرف إن كان سيعالجه أم لا، سنجرب ليومين أو ثلاثة، وسأطبقه عليه صباحا حين تغادر للعمل، ولحين تعود لن يبقى له إثر بعد تحميمه.
حركت عيني ورسمت على وجهي كل علامات الاستعطاف كما كنت أمارسها على أمي فترضخ مباشرة، ولكن رجلي الحديدي ما زاده ذلك إلا إصرارا وتشددا:
- مستحيل، لا تحاولي، لا أتقبل أن يغمر طفلي بداخل حمام زيت الزيتون أبدا، سنأخذه لطبيب جديد صباح غد وسنجري له تحاليل الدم ...غيري ملامح وجهك الآن، مرريها، مرريها.
قلت في نفسي حينها:
- نصر آخر، لاحد يغلب وفاء في المفاوضات، منذ العهد الفينيقي وأنا أطالبه بتغيير الطبيب، وعند اقتراح تجريب زيت الزيتون، استجاب الرجل سريعا، ولو أصريت لرجاني، ولو زدت إصرارا لقدّم تنازلات أخرى، على أمل عدم دخول زيت الزيتون بيته، يا للرجال!
- حسن، ما دمت تصر.
رسمت وجه المنهزم البشوش، وأقبلت على الكتابين بسرور، واتجه زوجي مستقبلا المطبخ ليضع الخوخ في الثلاجة، وغادر مسرعا إلى غرفة النوم ولم يسأل عن الأكل بعد الذي كان، ووفرت عشاءنا لغذاء الغد.