صفحة 1 من 1

حجاب امنة للدكتور احمد خيري العمري

مرسل: 25 سبتمبر 2022, 05:42
بواسطة رقية محمد
حجاب آمنة للدكتور احمد خيري العمري

(المقال يعود إلى خمس سنوات مضت، يعني لا داعي للتبريكات!)

عندما أخبرتني زوجتي بأن آمنة قررت أن ترتدي الحجاب.. انتابتني مشاعر لا يمكن إنكار
اختلاطها.. ولا يمكنني أيضا إنكار استغرابي من كم تلك المشاعر، ومن التناقضات الموجودة فيها..
ولا أدري إن كنت متفرداً بتلك المشاعر أم أنها مشاعر مكبوتة مر بها الكثير من الآباء مثلي..

قلت يومها كلاماً متوقعاً من المباركة والدعاء.. لكني انتظرت
أن أخلو بنفسي كي أحلل تلك التناقضات..

آمنة لم تبلغ الحادية عشرة بعد، من الناحية الفقهية لم تبلغ بعد المرحلة التي يجب أن ترتدي فيها
الحجاب، لكنها ورثت من الناحيتين “عظاماً” جعلتها تبدو أطول من عمرها، وفي أكثر من مرة
كنت أراها تعود من المدرسة ومعها أطفال صغار، فسألتها مستغربا :لم تمشين مع أطفال أصغر
منك في السن؟ فردت باستغراب أكبر: إن هؤلاء معي في نفس الصف..

طولها بالمقابل لم يسلبها “قلب الطفلة” الذي تملكه…. تضحك عيناها معها عندما تضحك، ويصير
فمها مربعا عندما تبكي (لذا يتحاشى الجميع ذلك!) لا تزال تلعب بالدمى، وتتشاحن مع شقيقتها الصغيرة
على تلك الدمية أو سواها.. وتغار من هذا الأمر التافه أو ذاك، وتقول “مع السلامة” عشر مرات كلما
خرجت من البيت، ويمكن لها أيضا أن توقظني من النوم لكي تودعني فقط وتقول “مع السلامة” رغم أنها
قد ترجع قبل استيقاظي!..

آمنة لا تزال طفلة إذن في اكثر من جانب، لكنها في تلك المرحلة البين – بين، حيث لا يعود قالب الطفل
ملائما، لكن القالب البديل لم يتهيأ بعد..

رغم ذلك قررت آمنة الحجاب، وسألتها والدتها أن تؤخر قرارها لبعض الوقت بحنكة الأمهات
وخبرتهن، وفعلاً تم اختبار القرار، وتجاوز بصموده فترة الاختبار، وكان رمضان فرصة لذلك كله..

و عندما اتصلت بها صديقتها ليلة بدء المدرسة، لتسألها سؤالا- نسائيا بامتياز!!- ” هل ستسرحين شعرك؟!!”..
كان جواب آمنة بفرح حاسم: لقد تحجبت..

تحجبت آمنة إذن، فلِم يشعر والدها بهذا الارتباك، وهو من كتب ودافع عن الحجاب، وابتكر اسما خاصاً
بأولئك الكتاب الذين يحاولون إخراج آيات الحجاب عن معانيها..؟؟

ربما لا يتعلق الأمر بجزئية الحجاب بقدر ما يتعلق بجزئية “الأبوة”.. فالحجاب عندما تقرر ابنتك أن ترتديه
سيقول لك ضمنا: إن طفلتك لم تعد طفلة بعد الآن، صحيح أنها ولدت فيما يبدو أنه الأمس، وأنك لا تزال تذكر
رائحتها التي لا بد أنها تشبه رائحة الجنة، وتذكر كيف اتفقت ( أو اختلفت!!) مع والدتها على اسمها، ولا تزال
تذكر خطوتها الأولى وكلمتها الأولى وأجوبتها الذكية الأولى.. إنها لا تزال طفلة في نظرك، لكنها
فجأة “تشق الأرض” وتصير صبية أو تكاد، و تتخذ قرارها بنفسها، و قرارها هذا: الحجاب…

فجأة ستفهم أنها لم تعد تلك الطفلة، وأنك لم يعد بإمكانك أن تحملها على كتفيك بسهولة، وسيقول لك
ذلك: إنك تقترب من حيطان الأربعين بسرعة لم تتوقعها على الإطلاق.. سيكون ذلك كله أصعب
عندما يأتي قرار الزواج لاحقاً، وقرار الحجاب يعني أن ابنتك لم تعد طفلة، وسيعني ذلك لاحقاً
ولو بعد حين أنها ستتزوج، لم أمرّ بهذا إلى الآن، لكني أعرف أنها سُنَّة الحياة، وأدرك أيضا أن ذلك
كله سيكون صعبا جدا يوم يحدث، ليس لعقدة ذكورية شرقية كما قد يحلو للبعض أن يتخيل، بل لسبب
بسيط آخر: وهو أن البنت عندما تتزوج “ينطفئ” ضوء ما في بيت أهلها…و يعود من الصعب جدا
إنارته من جديد

منقول