الجريمة والعقاب - دستويفسكي
مرسل: 03 مايو 2021, 10:41
مراحعة للجريمة والعقاب -دوستويفسكي-
العنوان: الجريمة والعقاب
الكاتب: فيودور دوستويفسكي
المترجم: سامي الدروبي
في الواقع أنا لا أدري كيف أبدأ كتابة هذه المراجعة.. فليس من السهل على المرء أن يكتب مراجعة لهذا الكاتب خاصة! لكن لا مفر من ذلك.. وكالعادة لن تكون مراجعة بالمعنى الدقيق؛ بل ستشتمل على الكثير من الثرثرة، والانطباع الذي تركته في نفسي -وأعتقد- أن هذا مفيد أكثر من كتابة تلخيص للرواية، بما أن هذه الأخيرة يمكن أن يبحث عنها المرء في أي محرك بحث وسيجد الكثير منها! كما سأحاول أن أتجنب حرق الأحداث ما أمكن.
أول ما اقتنيت هذه الرواية نظرت إلى حجمها الضخم وغلافها الذي لم أفهم منه شيئا! فتساءلت: بأي نوع من الكلام ملء الكاتب كل هذه الأوراق؟ وتمنيت من أعماق قلبي ألا أندم على الوقت الذي سأضيعه في قراءتها.. طبعا ليست أول مرة أسمع باسم الكاتب ولا أول مرة أقرأ له، فقد سبق أن قرأت روايتين إحداها الإخوة كارامازوف، ولم أكملها بسبب الملل الذي أصابني، خاصة وأنني كنت أقرأها على صيغة البي دي إف!
الجريمة والعقاب، هي رواية نفسية وفلسفية بامتياز، ولأشد ما كان تخبطي وأنا أقرأ هذه الرواية؛ والتي لن أبالغ لو قلت أنّه لم يسبق لي أن قرأت رواية بمثل هذا العمق! كل شخصية في هذه الرواية كانت تمثل لي لغزا محيرا، لغز يصعب كشفه!
هذه ليست المرة الأولى التي أقرأ فيها رواية تتحدث عن الجرائم، فما أكثر ما قرأت منها؛ لكنّها جميعها، كانت تتحدث من زاوية بوليسية بحتة، أي كل همّ الكاتب هو الكشف عن المجرم! لكن هذه هي المرة الأولى التي أقرأ فيها رواية لا تتحدث عن وقائع الجريمة، والشرطة الجنائية.. إلخ؛ بل تقفز إلى أبعد من ذلك لتصور لك سيكولوجية كل شخصية في هذه الرواية، حتى ظننت أن الكاتب كان يتلبس كل شخصية على حدة، وما إن ينتهي منها حتى ينسلخ عنها، ويتلبس شخصية أخرى، والسؤال البديهي الذي كنت أسأله طول قراءتي لهذه الرواية: كيف استطاع الكاتب أن يفعل هذا؟ أي موهبة قد أوتي ليرسم لنا هذه اللوحة الفنية العجيبة!
ولعلّ أكثر شخصية حيرتني هي شخصية البطل ” راسكولنيكوف ” فتارة أجده شخصا فاضلا، وتارة شخصا دنيئا خسيسا، وقد عانيت بسبب ذلك، طوال الرواية! العجيب أنّه يكون شخصا وقحا، وفي نفس تلك اللحظة يصبح فاضلا على حين فجأة وكأنه شخصيتين لا شخصية واحدة.. كنت سأقول أنّه يعاني من الانفصام؛ لكن هذا ليس صحيحا؛ لأن كل تقلباته لها دافع منطقي في أحيان كثيرة.. وكنت عاجزا طوال قراءتي للكتابين بأن أتوقع تصرفاته، اللهم في أحيان قليلة عندما تكون هناك دلائل تشير إلى أن هناك تغيرا قريبا سيطرأ على شخصية البطل!
” يا لك من منجم اكتشفوه! ويا لها من فوائد يجنونها منه… بكوا في أول الأمر، ثم ألفوا وتعودوا. إن الإنسان يعتاد كل شيء. يا له من حقير!” وكان يتحدث هنا عن آل مارميلادوف، الذين كانوا يعتمدون على صونيا من أجل كسب قوت يومهم؛ والتي ضحت بنفسها فأصبحت ذات بطاقة صفراء[1]. وعندما تقرأ مثل هذا القول، ومثله الكثير، كمقابلته مع سفدريجايلوف في الفصول الأخيرة من الرواية، تشعر أن قائلها إنسان فاضل، وهو يشمئز من كل فعل دنيء، ولا يجرؤ على أن يرى إساءة توجه لشخص ما؛ لكن مع ذلك فهو القائل: “إنني لم أقتل إلا قملة يا صونيا”! والأساس الذي بنى عليه البطل نظريته هذه، هي نفس النظرية التي تحدث عنها “ميكيافللي” في كتابه الأمير؛ أي القول بأن الغاية تبرر الوسيلة، فما دامت غاية الشخص نبيلة فإمكانه أن يرتكب أي “جرم” دون أن يشعر بتأنيب الضمير؛ بل ذهب راسكولنيكوف إلى أبعد من ذلك فقسم الأشخاص إلى فئة العاديين وفئة الخارقين، وفئة العاديين هي التي يتوجب عليها الخضوع للقانون وعدم مخالفته، بحيث أنهم من تلقاء أنفسهم لا يجرؤون على خرق القوانين! أما فئة الخارقين فهم على عكسهم، حيث بإمكانهم خرق القانون؛ لأنهم دائما ما يسعون إلى تحقيق غايات “نبيلة” واستشهد بذلك على المذابح التي قام بها نابليون! إذ أن هذا الأخير لولا أنه قام بتلك الجرائم، ولو أنه شعر بتأنيب الضمير ما كان ليحقق ما سيحققه! وعندما سأله بورفيري -قاضي التحقيق-
–“ماذا لو أن شخص من الفئة الأولى اعتقد نفسه من فئة الخارقين فبدأ يزيل جميع العوائق: ” أجاب راسكولنيكوف ببساطة:
-“لا يجب أن تقلق حيال ذلك، فحتى لو حدث فهؤلاء لن يقطعوا شوطا بعيدا في يوم من الأيام… فهم يجلدون أنفسهم بأنفسهم؛ لأنهم أناس أخلاقيون جدا!”
طبعا المقصود هنا أنهم يشعرون بتأنيب الضمير، فيسارعون إلى الاعتراف، ومن يشعر بتأنيب الضمير لا يستحق أن يكون مع فئة الخارقين!
وطبعا، هناك الكثير من النظريات، التي وردت في هذه الرواية، لكن ليس في وسعي أن أتطرق إليها كلها واحدة، واحدة، فذلك يستلزم الكثير من الجهد..
ولعلّ أكبر مشكلة واجهتها في هذه الرواية، هي مشكلة الأسماء! كل الأسماء تنتهي ب “فتش” مثل بيوتر بتروفيتش، سميونوفتش.. إلخ، حتى تشعر أن كل شخصيات الرواية من عائلة واحدة هه! فكنت أواجه صعوبة في تذكرها؛ بل وحتى في نطقها! لكنّي مع ذلك اخترعت طريقة بسيطة لكي أتذكر الأسماء، فمارميلادوف مثلا حوّلتها إلى “ميلفاي” وهذه نوع من الحلوى، وسفدريجايلوف أصبحت “سفرجل” هه.. إلخ!
حسنا، هذه ستكون نهاية هذه “المراجعة” إن صح التعبير.. دمتم سالمين!
بقلم: حمزة إزمار
17 مارس 2021
[1] أي تعمل كمومس
العنوان: الجريمة والعقاب
الكاتب: فيودور دوستويفسكي
المترجم: سامي الدروبي
في الواقع أنا لا أدري كيف أبدأ كتابة هذه المراجعة.. فليس من السهل على المرء أن يكتب مراجعة لهذا الكاتب خاصة! لكن لا مفر من ذلك.. وكالعادة لن تكون مراجعة بالمعنى الدقيق؛ بل ستشتمل على الكثير من الثرثرة، والانطباع الذي تركته في نفسي -وأعتقد- أن هذا مفيد أكثر من كتابة تلخيص للرواية، بما أن هذه الأخيرة يمكن أن يبحث عنها المرء في أي محرك بحث وسيجد الكثير منها! كما سأحاول أن أتجنب حرق الأحداث ما أمكن.
أول ما اقتنيت هذه الرواية نظرت إلى حجمها الضخم وغلافها الذي لم أفهم منه شيئا! فتساءلت: بأي نوع من الكلام ملء الكاتب كل هذه الأوراق؟ وتمنيت من أعماق قلبي ألا أندم على الوقت الذي سأضيعه في قراءتها.. طبعا ليست أول مرة أسمع باسم الكاتب ولا أول مرة أقرأ له، فقد سبق أن قرأت روايتين إحداها الإخوة كارامازوف، ولم أكملها بسبب الملل الذي أصابني، خاصة وأنني كنت أقرأها على صيغة البي دي إف!
الجريمة والعقاب، هي رواية نفسية وفلسفية بامتياز، ولأشد ما كان تخبطي وأنا أقرأ هذه الرواية؛ والتي لن أبالغ لو قلت أنّه لم يسبق لي أن قرأت رواية بمثل هذا العمق! كل شخصية في هذه الرواية كانت تمثل لي لغزا محيرا، لغز يصعب كشفه!
هذه ليست المرة الأولى التي أقرأ فيها رواية تتحدث عن الجرائم، فما أكثر ما قرأت منها؛ لكنّها جميعها، كانت تتحدث من زاوية بوليسية بحتة، أي كل همّ الكاتب هو الكشف عن المجرم! لكن هذه هي المرة الأولى التي أقرأ فيها رواية لا تتحدث عن وقائع الجريمة، والشرطة الجنائية.. إلخ؛ بل تقفز إلى أبعد من ذلك لتصور لك سيكولوجية كل شخصية في هذه الرواية، حتى ظننت أن الكاتب كان يتلبس كل شخصية على حدة، وما إن ينتهي منها حتى ينسلخ عنها، ويتلبس شخصية أخرى، والسؤال البديهي الذي كنت أسأله طول قراءتي لهذه الرواية: كيف استطاع الكاتب أن يفعل هذا؟ أي موهبة قد أوتي ليرسم لنا هذه اللوحة الفنية العجيبة!
ولعلّ أكثر شخصية حيرتني هي شخصية البطل ” راسكولنيكوف ” فتارة أجده شخصا فاضلا، وتارة شخصا دنيئا خسيسا، وقد عانيت بسبب ذلك، طوال الرواية! العجيب أنّه يكون شخصا وقحا، وفي نفس تلك اللحظة يصبح فاضلا على حين فجأة وكأنه شخصيتين لا شخصية واحدة.. كنت سأقول أنّه يعاني من الانفصام؛ لكن هذا ليس صحيحا؛ لأن كل تقلباته لها دافع منطقي في أحيان كثيرة.. وكنت عاجزا طوال قراءتي للكتابين بأن أتوقع تصرفاته، اللهم في أحيان قليلة عندما تكون هناك دلائل تشير إلى أن هناك تغيرا قريبا سيطرأ على شخصية البطل!
” يا لك من منجم اكتشفوه! ويا لها من فوائد يجنونها منه… بكوا في أول الأمر، ثم ألفوا وتعودوا. إن الإنسان يعتاد كل شيء. يا له من حقير!” وكان يتحدث هنا عن آل مارميلادوف، الذين كانوا يعتمدون على صونيا من أجل كسب قوت يومهم؛ والتي ضحت بنفسها فأصبحت ذات بطاقة صفراء[1]. وعندما تقرأ مثل هذا القول، ومثله الكثير، كمقابلته مع سفدريجايلوف في الفصول الأخيرة من الرواية، تشعر أن قائلها إنسان فاضل، وهو يشمئز من كل فعل دنيء، ولا يجرؤ على أن يرى إساءة توجه لشخص ما؛ لكن مع ذلك فهو القائل: “إنني لم أقتل إلا قملة يا صونيا”! والأساس الذي بنى عليه البطل نظريته هذه، هي نفس النظرية التي تحدث عنها “ميكيافللي” في كتابه الأمير؛ أي القول بأن الغاية تبرر الوسيلة، فما دامت غاية الشخص نبيلة فإمكانه أن يرتكب أي “جرم” دون أن يشعر بتأنيب الضمير؛ بل ذهب راسكولنيكوف إلى أبعد من ذلك فقسم الأشخاص إلى فئة العاديين وفئة الخارقين، وفئة العاديين هي التي يتوجب عليها الخضوع للقانون وعدم مخالفته، بحيث أنهم من تلقاء أنفسهم لا يجرؤون على خرق القوانين! أما فئة الخارقين فهم على عكسهم، حيث بإمكانهم خرق القانون؛ لأنهم دائما ما يسعون إلى تحقيق غايات “نبيلة” واستشهد بذلك على المذابح التي قام بها نابليون! إذ أن هذا الأخير لولا أنه قام بتلك الجرائم، ولو أنه شعر بتأنيب الضمير ما كان ليحقق ما سيحققه! وعندما سأله بورفيري -قاضي التحقيق-
–“ماذا لو أن شخص من الفئة الأولى اعتقد نفسه من فئة الخارقين فبدأ يزيل جميع العوائق: ” أجاب راسكولنيكوف ببساطة:
-“لا يجب أن تقلق حيال ذلك، فحتى لو حدث فهؤلاء لن يقطعوا شوطا بعيدا في يوم من الأيام… فهم يجلدون أنفسهم بأنفسهم؛ لأنهم أناس أخلاقيون جدا!”
طبعا المقصود هنا أنهم يشعرون بتأنيب الضمير، فيسارعون إلى الاعتراف، ومن يشعر بتأنيب الضمير لا يستحق أن يكون مع فئة الخارقين!
وطبعا، هناك الكثير من النظريات، التي وردت في هذه الرواية، لكن ليس في وسعي أن أتطرق إليها كلها واحدة، واحدة، فذلك يستلزم الكثير من الجهد..
ولعلّ أكبر مشكلة واجهتها في هذه الرواية، هي مشكلة الأسماء! كل الأسماء تنتهي ب “فتش” مثل بيوتر بتروفيتش، سميونوفتش.. إلخ، حتى تشعر أن كل شخصيات الرواية من عائلة واحدة هه! فكنت أواجه صعوبة في تذكرها؛ بل وحتى في نطقها! لكنّي مع ذلك اخترعت طريقة بسيطة لكي أتذكر الأسماء، فمارميلادوف مثلا حوّلتها إلى “ميلفاي” وهذه نوع من الحلوى، وسفدريجايلوف أصبحت “سفرجل” هه.. إلخ!
حسنا، هذه ستكون نهاية هذه “المراجعة” إن صح التعبير.. دمتم سالمين!
بقلم: حمزة إزمار
17 مارس 2021
[1] أي تعمل كمومس