حلم عصفور - ريم (مسابقة النوع 1)
مرسل: 16 فبراير 2022, 10:21
حط على الغصن الجاف بترنح ، لقد اجتاز المسافة الأطول منذ بدأ الرفرفة بجناحيه ، طربت اذنيه لكلمات والده الفخورة به ، و حين عاد للعش كافأته والدته ببضع حبات رمان داخل منقاره ، احضرتها من شجرات الرمان اليتيمات في هذه الأرض الجافة ،و لولاها و تلك الحشرات لماتوا جوعا ، لمعت عيناه حين تذكر تلك الأرض الأسطورية في اعالي الجبال ، المليئة بأشجار الفاكهة والبذور والماء الوفير ، متى يشتد عود جناحيه ؟ ليحقق حلمه ويذهب لتلك الأرض بلا عودة ، كم ينتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر ...
مرت الأيام ببطء شديد عليه ، حتى جاء الوقت المناسب ليحلق فيه بعيدا ، ودع والدته وإخوته الصغار ضاحكاً وعلى عجل ، نظرات والدته المنكسرة لا تفارق خياله منذ طار ، لكنه يوقف وخزات ضميره تلك بتبريراته المعتادة ، فهو يريد الأفضل لنفسه وأمه بالتأكيد ستحب أن تراه سعيداً !
طار طويلاً ، اجنحته تكاد تتوقف تعباً، جسده يأن تحت وطأة الجوع الشديد ، توقف تحت ظل شجرةٍ ليأكل أي شيء ثم يواصل طريقه ، لكن مخالب ضخمة طرحته أرضاً قبل أن يستعيد أنفاسه !
- من أنت ؟ ماذا تفعل هنا ؟
كانت بومة ضخمة ، مخيفة ، بريش كثيف متسخ :
- انا عابر سبيل لا أكثر ، ارجوك لا تؤذني .
- إلى أين أنت ذاهب ؟
- ذاهب إلى أرض الأحلام .
ترك العصفور الصغير فجأة وهو ينظر إليه بسخرية :
- أنت أيها الصغير ؟ يالأحلامك الكبيرة ، عد لوالدتك قبل أن تُؤكل وأنت تبحث عن مالا تستطيع الوصول إليه .
- حتى لو أُكلت في طريقي ، سيكون ذلك أفضل من تلك الأرض القذرة ، لن أعود لأكل الديدان مجددا ..
- أعجبني إصرارك يا صغير لذلك سأدلك على الطريق إلى هناك ، لكن تذكر شيء واحد ، سواءً نجحت في الوصول أم لا فنهايتك واحدة ، ستخبوا وحيدا وتنطفئ كما تنطفئ شرارة اللهب الصغيرة المتمردة على قلب النار ، وكأن تلك الأرض ملعونة ، فهي بقدر ما تعطيك تأخذ منك الكثير لتصل أليها دون أن تدري ...
هز العصفور رأسه متعجلاً ، لا يريد من هذا العجوز الخرف غير أن يدله على طريق حلمه .
وصل إلى حافة جرف وتذكر كلمات العجوز :
- طِر شمالاً وستجد مجموعة من الجبال ، سترى أعلاهم مغطاً بالضباب ، هناك بأعلى القمة توجد تلك الأرض ، كل ما عليك فعله أن تطير للأعلى دون أن تيأس .
المكان مقفر بارد جعله يتذكر عش والدته الدافئ ، أصدقائه المرِحون ، المآذن القديمة التي كانوا يلعبون بين زخارفها ، الهضاب المليئة بالجراد اللذيذ ، تساقط دمعه وابتل ريشه من زخات المطر الغزيرة ، دخل إلى الجرف يتجنب البلل حين تذكر كلمات العجوز الأخيرة .
- السر في وصول البعض هو عدم فقدانهم الأمل ، و الذين فشلوا قتلهم اليأس على مقربة من نهاية الطريق ، لذلك لا تيأس .
اضاء البرق الجرف ليرى بقايا من سبقوه ولتثبت قول ذلك العجوز ، غلبت عزيمته خوفه حين توقف المطر ،
لا لن يموت هنا ، سيكمل طريقه مهما كلفه من ثمن ، ظل يطير بلا كلل أو ملل ، تساقط ريشه ووهن جناحيه ، حتى كاد يموت ، حين بدت له خيوط الشمس من أعلى الضباب ، وترآءت له المروج الخضراء والغابات الكثيفة ، بجوها الندي ذا الرائحة العطرية التي لم يشم مثيل لها قبلا ، رائحة تمتزج ما بين الفاكهة والزهور ، غمر الفرح قلبه ، و تفجرت الطاقة فيه فجأة ليقفز هنا وهناك يغرد مسروراً ، هذا هو حلمه أمام عينيه ، أبواب السعادة كلها تفتحت ، سيودع الحزن للأبد ، فلا جوع هنا ولا فقر ، والثمار ستكفيه مدى الحياة !
حط على اول شجرة وقع نظره عليها ، ليتذوق ثمرها ، كان يتنقل منتشيا بين كل ثمرة وأخرى ، من هنا نقرة وواحدة هناك ، تغريداته الصاخبة تعبث بهدوء المكان ....المريب !
حين كادت تنفجر معدته شبعاً استند على غصنها يتنهد بتعب ، النعاس يغلبه رويداً رويداً ،وقبل ان يغمض جفنيه فطن إلى الهدوء العجيب ، أين أهل هذا المكان ، أليس من المفترض أن يكون مليئا بأنواع شتى من الطيور ؟
غفى مستسلماً قبل أن تباغته صيحة عالية جعلته يحلق فزعاً :
- حاذر ، الثعبان وراءك !!!
تلفت حوله ليراه ، أخضر اللون يزحف للغصن الذي كان ينام عليه ببطء شديد ، كان محدثه هذه المره طيراً ثرثاراً بمثل فصيلته وسنه :
- أول مرة اراك هنا ، هل أنت جديد ؟ ياللروعة لم أرى أحد الناجيين منذ زمن طويل ؟ كيف هي الحياة في أسفل الجبل ؟ اتمنى لو استطيع الذهاب هناك ، هي لماذا لا تجيب أسئلتي؟
- وهل تركت لي أي مجال ؟ ثم مالذي تريده من تلك الأرض الجافة القاحلة ؟ على كلاٍ شكراً لك لمساعدتي ، سأذهب الان .
- إلى أين أنت ذاهب ؟ أحمق ، أنت ككل الذين أتوا من الأسفل يظنون أنهم في الجنة لكنهم سرعان ما يكتشفون أنهم في قعر الجحيم ، عليك أن تعرف القوانين هنا لتعيش والأ ستموت شر ميته ، إلحق بي لتقابل الزعيم .
كان يلحق بعد العصفور الغريب بحذر ، إلى أين سيأخذه ؟
توقف العصفور أمام بركة وسط الغابة منادياً ، صوت في داخله يخبره أن يهرب فما سيراه لن يسره ، لكن إلى أين المفر ؟
تحركت الأشجار لتخرج منها أسراب طيور لم يرى في حياته قط بعددها ، كاد يتوقف قلبه من هول المنظر ، كانت من كل فصائل الطيور وأحجامها ، ليظهر ما يسمى بزعيمهم ، نقار خشب نحيل ينظر له بإستعلاء ، تكلم من طرف منقاره :
- أيتها الأسراب ، رحبوا معي بضيفنا .
تعالت تغاريد الكيور من حوله ثم اشار لهم ليكمل زعيمهم خطابه :
- سألقي عليك القوانين واحفظها جيدا ، السادة أهل الأرض لهم اعالي الشجر وثمرها ، ثم العاملين معهم وابناءهم لهم ما يسقط على الأرض ، أما المستوطنين أمثالك فلهم ما يتبقى منا وهو الكثير .
- تقول إني واجهت تلك الصعاب لآكل الفتات فقط !
- هذا مقامك الآن فارضى به لتعيش بيننا وتنعم بما نجود به عليك .
تملكه الغضب والقهر مما يسمعه ، طبيعته المتهورة ظهرت في رده الذي قاله قبل أن يطير :
- لست موافق وسأفعل ما يحلو لي .
- الحقوا بالطفيلي وارموه لقاع الجبل .
هجمت تلك الأسراب بإتجاهه دفعة واحدة ، تساقط ريشه وهو يفرّ إلى اللامكان ، تجرحه الأغصان بعنف ، كانت أسرع منه فلم يصمد طويلاً ، امسكت به المخالب تجره معها ورمته لأسفل الجبل ، كان يسقط وصوت خلفه صائحاً :
- أخبر سكان القاع أنهم غير مرحب بهم في أرضنا .
تداخلت الصور في رأسه ، حلمه تعكر وبدأ ضباب يغزو تلك الصورة التي كانت تعميه عن الواقع ببطء ، دوماً ما كان يعرف ما يريد ولا يتبع غير أحلامه، وبعد خيبته هذه يشعر بالضياع ، لأجل ماذا سيعيش الان ؟ فلا هو الذي حفظ ما بين يديه ولا ملك ما كان يطمح له .
بعد مضي شهور وفي مشهد عجيب شوهد طائر بوم متشرد مع طائر صغير !!
تمت
مرت الأيام ببطء شديد عليه ، حتى جاء الوقت المناسب ليحلق فيه بعيدا ، ودع والدته وإخوته الصغار ضاحكاً وعلى عجل ، نظرات والدته المنكسرة لا تفارق خياله منذ طار ، لكنه يوقف وخزات ضميره تلك بتبريراته المعتادة ، فهو يريد الأفضل لنفسه وأمه بالتأكيد ستحب أن تراه سعيداً !
طار طويلاً ، اجنحته تكاد تتوقف تعباً، جسده يأن تحت وطأة الجوع الشديد ، توقف تحت ظل شجرةٍ ليأكل أي شيء ثم يواصل طريقه ، لكن مخالب ضخمة طرحته أرضاً قبل أن يستعيد أنفاسه !
- من أنت ؟ ماذا تفعل هنا ؟
كانت بومة ضخمة ، مخيفة ، بريش كثيف متسخ :
- انا عابر سبيل لا أكثر ، ارجوك لا تؤذني .
- إلى أين أنت ذاهب ؟
- ذاهب إلى أرض الأحلام .
ترك العصفور الصغير فجأة وهو ينظر إليه بسخرية :
- أنت أيها الصغير ؟ يالأحلامك الكبيرة ، عد لوالدتك قبل أن تُؤكل وأنت تبحث عن مالا تستطيع الوصول إليه .
- حتى لو أُكلت في طريقي ، سيكون ذلك أفضل من تلك الأرض القذرة ، لن أعود لأكل الديدان مجددا ..
- أعجبني إصرارك يا صغير لذلك سأدلك على الطريق إلى هناك ، لكن تذكر شيء واحد ، سواءً نجحت في الوصول أم لا فنهايتك واحدة ، ستخبوا وحيدا وتنطفئ كما تنطفئ شرارة اللهب الصغيرة المتمردة على قلب النار ، وكأن تلك الأرض ملعونة ، فهي بقدر ما تعطيك تأخذ منك الكثير لتصل أليها دون أن تدري ...
هز العصفور رأسه متعجلاً ، لا يريد من هذا العجوز الخرف غير أن يدله على طريق حلمه .
وصل إلى حافة جرف وتذكر كلمات العجوز :
- طِر شمالاً وستجد مجموعة من الجبال ، سترى أعلاهم مغطاً بالضباب ، هناك بأعلى القمة توجد تلك الأرض ، كل ما عليك فعله أن تطير للأعلى دون أن تيأس .
المكان مقفر بارد جعله يتذكر عش والدته الدافئ ، أصدقائه المرِحون ، المآذن القديمة التي كانوا يلعبون بين زخارفها ، الهضاب المليئة بالجراد اللذيذ ، تساقط دمعه وابتل ريشه من زخات المطر الغزيرة ، دخل إلى الجرف يتجنب البلل حين تذكر كلمات العجوز الأخيرة .
- السر في وصول البعض هو عدم فقدانهم الأمل ، و الذين فشلوا قتلهم اليأس على مقربة من نهاية الطريق ، لذلك لا تيأس .
اضاء البرق الجرف ليرى بقايا من سبقوه ولتثبت قول ذلك العجوز ، غلبت عزيمته خوفه حين توقف المطر ،
لا لن يموت هنا ، سيكمل طريقه مهما كلفه من ثمن ، ظل يطير بلا كلل أو ملل ، تساقط ريشه ووهن جناحيه ، حتى كاد يموت ، حين بدت له خيوط الشمس من أعلى الضباب ، وترآءت له المروج الخضراء والغابات الكثيفة ، بجوها الندي ذا الرائحة العطرية التي لم يشم مثيل لها قبلا ، رائحة تمتزج ما بين الفاكهة والزهور ، غمر الفرح قلبه ، و تفجرت الطاقة فيه فجأة ليقفز هنا وهناك يغرد مسروراً ، هذا هو حلمه أمام عينيه ، أبواب السعادة كلها تفتحت ، سيودع الحزن للأبد ، فلا جوع هنا ولا فقر ، والثمار ستكفيه مدى الحياة !
حط على اول شجرة وقع نظره عليها ، ليتذوق ثمرها ، كان يتنقل منتشيا بين كل ثمرة وأخرى ، من هنا نقرة وواحدة هناك ، تغريداته الصاخبة تعبث بهدوء المكان ....المريب !
حين كادت تنفجر معدته شبعاً استند على غصنها يتنهد بتعب ، النعاس يغلبه رويداً رويداً ،وقبل ان يغمض جفنيه فطن إلى الهدوء العجيب ، أين أهل هذا المكان ، أليس من المفترض أن يكون مليئا بأنواع شتى من الطيور ؟
غفى مستسلماً قبل أن تباغته صيحة عالية جعلته يحلق فزعاً :
- حاذر ، الثعبان وراءك !!!
تلفت حوله ليراه ، أخضر اللون يزحف للغصن الذي كان ينام عليه ببطء شديد ، كان محدثه هذه المره طيراً ثرثاراً بمثل فصيلته وسنه :
- أول مرة اراك هنا ، هل أنت جديد ؟ ياللروعة لم أرى أحد الناجيين منذ زمن طويل ؟ كيف هي الحياة في أسفل الجبل ؟ اتمنى لو استطيع الذهاب هناك ، هي لماذا لا تجيب أسئلتي؟
- وهل تركت لي أي مجال ؟ ثم مالذي تريده من تلك الأرض الجافة القاحلة ؟ على كلاٍ شكراً لك لمساعدتي ، سأذهب الان .
- إلى أين أنت ذاهب ؟ أحمق ، أنت ككل الذين أتوا من الأسفل يظنون أنهم في الجنة لكنهم سرعان ما يكتشفون أنهم في قعر الجحيم ، عليك أن تعرف القوانين هنا لتعيش والأ ستموت شر ميته ، إلحق بي لتقابل الزعيم .
كان يلحق بعد العصفور الغريب بحذر ، إلى أين سيأخذه ؟
توقف العصفور أمام بركة وسط الغابة منادياً ، صوت في داخله يخبره أن يهرب فما سيراه لن يسره ، لكن إلى أين المفر ؟
تحركت الأشجار لتخرج منها أسراب طيور لم يرى في حياته قط بعددها ، كاد يتوقف قلبه من هول المنظر ، كانت من كل فصائل الطيور وأحجامها ، ليظهر ما يسمى بزعيمهم ، نقار خشب نحيل ينظر له بإستعلاء ، تكلم من طرف منقاره :
- أيتها الأسراب ، رحبوا معي بضيفنا .
تعالت تغاريد الكيور من حوله ثم اشار لهم ليكمل زعيمهم خطابه :
- سألقي عليك القوانين واحفظها جيدا ، السادة أهل الأرض لهم اعالي الشجر وثمرها ، ثم العاملين معهم وابناءهم لهم ما يسقط على الأرض ، أما المستوطنين أمثالك فلهم ما يتبقى منا وهو الكثير .
- تقول إني واجهت تلك الصعاب لآكل الفتات فقط !
- هذا مقامك الآن فارضى به لتعيش بيننا وتنعم بما نجود به عليك .
تملكه الغضب والقهر مما يسمعه ، طبيعته المتهورة ظهرت في رده الذي قاله قبل أن يطير :
- لست موافق وسأفعل ما يحلو لي .
- الحقوا بالطفيلي وارموه لقاع الجبل .
هجمت تلك الأسراب بإتجاهه دفعة واحدة ، تساقط ريشه وهو يفرّ إلى اللامكان ، تجرحه الأغصان بعنف ، كانت أسرع منه فلم يصمد طويلاً ، امسكت به المخالب تجره معها ورمته لأسفل الجبل ، كان يسقط وصوت خلفه صائحاً :
- أخبر سكان القاع أنهم غير مرحب بهم في أرضنا .
تداخلت الصور في رأسه ، حلمه تعكر وبدأ ضباب يغزو تلك الصورة التي كانت تعميه عن الواقع ببطء ، دوماً ما كان يعرف ما يريد ولا يتبع غير أحلامه، وبعد خيبته هذه يشعر بالضياع ، لأجل ماذا سيعيش الان ؟ فلا هو الذي حفظ ما بين يديه ولا ملك ما كان يطمح له .
بعد مضي شهور وفي مشهد عجيب شوهد طائر بوم متشرد مع طائر صغير !!
تمت