الباب الأسود
مرسل: 13 يناير 2022, 16:30
الباب الأسود
ابتسمت الدنيا بوجهه وهو يرى تقدم فريقه في الجولات الثلاث الأولى . حلمه بتحقيق بطولة كبيرة لبلده في الفروسية عشقه وعشق عائلته العريقة قاب قوسين أو أدنى من التحقق، يفصله عنه خطوات قليلة.
مع بداية الجولة الرابعة انتابه القلق فهذه الجولة قبل الأخيرة سترسم ملامح الفوز ، منبع قلقه لم يكن الفارس فقد دربه جيدا ، بل الفرس الجديدة التي أصر علوان أن يمتطي صهوتها بعناد غريب بعد أن اشتراها مؤخرا عبر سمسار متجاهلا نصائح عدنان له بحكم خبرته الطويلة في ميادين الفروسية ومسابقات قفز الحواجز .
حدث ماتوقعه وتعثرت الفرس الجديدة بالفارس المدلل العنيد وتوالى سقوط الحواجز ونزف النقاط وسط شعور بالخيبة كبير انتابه وهو يرى ملامح كارثة ستحل بالفريق ككل بعد كل تلك الجهود المضنية والتدريب المرهق الشاق .
حان دور عدنان قائد الفريق في المسابقة وكل العيون كانت ترنو إليه في الجولة الخامسة والأخيرة الحاسمة فأي خطأ يرتكبه سيؤدي لحرمان الفريق الوطني من الفوز المأمول شعبيا ورسميا .
سمى الرحمن ، أمسك اللجام بقوة وانطلق بثبات وعزيمة الفرسان وتجاوز الحاجز تلو الآخر ووصل خط النهاية بلا أخطاء ونجح بقيادة الفريق إلى منصة التتويج وسط دموع و أهازيج و فرح هستيري سيطر على الفريق والكادر والجماهير الغفيرة إلا علوان..! فقد ظل ساكنا وتعابير غريبة تكسو وجهه مابين ضحك بإهلاس وأنفاس حارة تحكي شعور بالإخفاق والدونية لم تخفى على عدنان وهو الذي دربه طويلا وخبر شخصيته المعقدة التي ورثها من عائلة متسلقة، ويعرف تماما مامعنى أن تسرق الأضواء من ابنها المدلل ..ابن المعلم المعلم الكبير ..!
مرت الأيام بعدها بسلام وعاد الفريق إلى التمارين استعداد للبطولات القادمة وسط قلق عدنان لغياب علوان ،اتصل به مرارا دون أن ينجح بالوصول إليه ، وفي أحد الأيام فوجئ الجميع بحضوره إلى نادي الفروسية بزيه العسكري ، وطلب من عدنان أن يوافيه إلى غرفته لمناقشة أمر هام.. !!
ذهل عدنان عندما أخبره أنه اشترى خيول أوربية جديدة باهظة الثمن للفريق استعداد للمشاركة بالبطولة القادمة ،حاول عدنان بهدوء وروية أن يشرح له أن الأمر ليس بتلك السهولة وأن غلاء الأحصنة ليس هو المقياس الوحيد وأن الخيل ليست كالجمال ولابد من إرسال كشاف خبير لفحصها ومعرفة مدى جاهزيتها بعيدا عن جعجعة السماسرة الفارغة وأن الفترةالزمنية الفاصلة غير كافية للوصول إلى التناغم المطلوب بين الخيل وخيالها . احتدم النقاش وسمع كل من بالخارج الضجة والغوغاء ووصل عدنان إلى قناعة أن الرجل هدفه أن يفرض رأيه ويقصيه ولايهمه فوز الفريق الوطني لا من قريب ولا من بعيد ، فأنفجر بوجهه بعد طول صبر وأخبره صراحة أن أنانيته وعناده كادا يتسببان بخسارة أخر بطولة ..لم يدعه يكمل ووجدها فرصة سانحة لإفراغ كل مكنونات حقده الدفين، ووصلت به الصفاقة حد الإهانة المبطنة بالتهديد بقوله :- لاتنسى أن لحم أكتافك من خيرنا ،وأنك أب لطفلين وخرج وهو يرغي ويزبد يتبعه عناصر الحراسة الشخصية.
لم تمض أيام قليلة حتى داهمت مجموعة مسلحة النادي واقتادت عدنان إلى مكان مجهول ، وبعد محاولات حثيثة وجهود مضنية علم أهله واصدقائه أنه موقوف بتهمة محاولة اغتيال ابن المعلم .
سنوات طويلة مرت بلا أي محاكمة حاول أهله عبرها جاهدين وعبر أكثر من وسيط في الداخل والخارج أن يخرجوه من ظلام السجون وكل ما كانوا يحصلون عليه وعود بأنه لن يتم إعدامه أو تعذيبه على الأقل .
في السجن لم يستسلم عدنان وأستغل نقله من أقبية الأمن السرية
إلى سجن عام وبدأ بتعليم السجناء اللغة الأنكليزية مشافهة وتطور الأمر لاحقا إلى استعمال أكياس الخيش كألواح ،وبقايا الطعام للكتابة بالأصبع .
لم ينسى أبدا عشقه وشقاه فكان ينحت رؤوس الخيل على ألواح الصابون المسرب ويهديها للرفاق ، انهمك بهوايته الجديدة حتى علت ظهره حدبة لم يكترث بها كثيرا،وفي الليل كان يحاول أن يستحضر صور أطفاله حتى أخر رمشة عين.
في أحد الليالي دخل الحراس الزنزانة واقتادوه إلى قبو السجن وانهالو عليه
بشتى أصناف العذاب ولم يتركوه إلا ونوافير من الدماء تخرج من كل بقعة في جسده ،كانت تلك المرة الأولى التي يتعرض للتعذيب بهذه الوحشية ،علم بعدها السبب من سجناء جدد، وهو أن ابن المعلم قد قضى نحبه مخمورا بحادث سيارة رهيب على الطريق السريع .
تكررت حفلة التعذيب تلك مع كل ذكرى تمر لوفاة ابن المعلم ،وكأن الهالك قد أوصى بها ليشفي غليله حتى بعد مماته .
دارت الأيام وتوفي والد علوان أيضا وتفاءل أهل عدنان خيرا بابنه الأخر الذي استلم منصب والده ، لكن كل أمنياتهم ذهبت أدراج الرياح عندما وصلهم الرد الصاعق منه بأن لاعلاقة له بالأمر وأن من عاقبه مات وسجينهم وديعة منه .
إحدى وعشرون سنة مرت عليه في غياهب السجن لم تنل من إرادة الحياة لديه ومن أخلاق الفارس الشهم الودود ، وبلا سابق إنذار انتشر خبر عفو عام
في السجن وسط تكنهات وتوقعات وغموض حول اسماء المفرج عنهم ،أكثر السجناء طمأنينة كانوا أصحاب التهم الجنائية والأخلاقية
فقد درجت العادة أن يكونو أول المشمولين في كل عفو ،بينما ظل السكون والترقب رفيق باقي السجناء المصنفين تحت بند الإرهاب وأعداء الوطن .. !! في عنبر سجناء الرأي
- الباب الأسود- كما كان يطلق عليه، كان الجميع يدعو الله أن يكون عدنان من ضمن المفرج عنهم ، فقد أصبح الأقدم بينهم والأقرب لقلوب الجميع.
في الصباح طرق السجان باب الزنزانة بعنف وما أن لفظ اسم عدنان حتى دوت صرخة فرح أرتد صداها في كل أرجاء السجن وسارع الرفاق لضم عدنان وتهنئته بحرارة في مشهد فرح لم يعرفه الجميع لسنوات طوال .
بعد أن ودع الرفاق أخرج عدنان من تحت سريره لوحان من الصابون وقد نقش على كل منهما صورة مهر صغير واحد باسم توفيق ابنه البكر والأخر باسم ماريا ابنته الوحيدة والتي كان يحلم أن تصبح فارسة في يوم من الأيام.
مشى صوب باب الزنزانة وهو يحاول ما أمكن أن يرفع هامته وقبل أن يدلف من الباب فتح ذراعيه كعصفور يستعد لأول طلعة في الفضاء الرحب وانطلق يحمل معه قصة غدر لا يصدقها عقل بشر .
ابتسمت الدنيا بوجهه وهو يرى تقدم فريقه في الجولات الثلاث الأولى . حلمه بتحقيق بطولة كبيرة لبلده في الفروسية عشقه وعشق عائلته العريقة قاب قوسين أو أدنى من التحقق، يفصله عنه خطوات قليلة.
مع بداية الجولة الرابعة انتابه القلق فهذه الجولة قبل الأخيرة سترسم ملامح الفوز ، منبع قلقه لم يكن الفارس فقد دربه جيدا ، بل الفرس الجديدة التي أصر علوان أن يمتطي صهوتها بعناد غريب بعد أن اشتراها مؤخرا عبر سمسار متجاهلا نصائح عدنان له بحكم خبرته الطويلة في ميادين الفروسية ومسابقات قفز الحواجز .
حدث ماتوقعه وتعثرت الفرس الجديدة بالفارس المدلل العنيد وتوالى سقوط الحواجز ونزف النقاط وسط شعور بالخيبة كبير انتابه وهو يرى ملامح كارثة ستحل بالفريق ككل بعد كل تلك الجهود المضنية والتدريب المرهق الشاق .
حان دور عدنان قائد الفريق في المسابقة وكل العيون كانت ترنو إليه في الجولة الخامسة والأخيرة الحاسمة فأي خطأ يرتكبه سيؤدي لحرمان الفريق الوطني من الفوز المأمول شعبيا ورسميا .
سمى الرحمن ، أمسك اللجام بقوة وانطلق بثبات وعزيمة الفرسان وتجاوز الحاجز تلو الآخر ووصل خط النهاية بلا أخطاء ونجح بقيادة الفريق إلى منصة التتويج وسط دموع و أهازيج و فرح هستيري سيطر على الفريق والكادر والجماهير الغفيرة إلا علوان..! فقد ظل ساكنا وتعابير غريبة تكسو وجهه مابين ضحك بإهلاس وأنفاس حارة تحكي شعور بالإخفاق والدونية لم تخفى على عدنان وهو الذي دربه طويلا وخبر شخصيته المعقدة التي ورثها من عائلة متسلقة، ويعرف تماما مامعنى أن تسرق الأضواء من ابنها المدلل ..ابن المعلم المعلم الكبير ..!
مرت الأيام بعدها بسلام وعاد الفريق إلى التمارين استعداد للبطولات القادمة وسط قلق عدنان لغياب علوان ،اتصل به مرارا دون أن ينجح بالوصول إليه ، وفي أحد الأيام فوجئ الجميع بحضوره إلى نادي الفروسية بزيه العسكري ، وطلب من عدنان أن يوافيه إلى غرفته لمناقشة أمر هام.. !!
ذهل عدنان عندما أخبره أنه اشترى خيول أوربية جديدة باهظة الثمن للفريق استعداد للمشاركة بالبطولة القادمة ،حاول عدنان بهدوء وروية أن يشرح له أن الأمر ليس بتلك السهولة وأن غلاء الأحصنة ليس هو المقياس الوحيد وأن الخيل ليست كالجمال ولابد من إرسال كشاف خبير لفحصها ومعرفة مدى جاهزيتها بعيدا عن جعجعة السماسرة الفارغة وأن الفترةالزمنية الفاصلة غير كافية للوصول إلى التناغم المطلوب بين الخيل وخيالها . احتدم النقاش وسمع كل من بالخارج الضجة والغوغاء ووصل عدنان إلى قناعة أن الرجل هدفه أن يفرض رأيه ويقصيه ولايهمه فوز الفريق الوطني لا من قريب ولا من بعيد ، فأنفجر بوجهه بعد طول صبر وأخبره صراحة أن أنانيته وعناده كادا يتسببان بخسارة أخر بطولة ..لم يدعه يكمل ووجدها فرصة سانحة لإفراغ كل مكنونات حقده الدفين، ووصلت به الصفاقة حد الإهانة المبطنة بالتهديد بقوله :- لاتنسى أن لحم أكتافك من خيرنا ،وأنك أب لطفلين وخرج وهو يرغي ويزبد يتبعه عناصر الحراسة الشخصية.
لم تمض أيام قليلة حتى داهمت مجموعة مسلحة النادي واقتادت عدنان إلى مكان مجهول ، وبعد محاولات حثيثة وجهود مضنية علم أهله واصدقائه أنه موقوف بتهمة محاولة اغتيال ابن المعلم .
سنوات طويلة مرت بلا أي محاكمة حاول أهله عبرها جاهدين وعبر أكثر من وسيط في الداخل والخارج أن يخرجوه من ظلام السجون وكل ما كانوا يحصلون عليه وعود بأنه لن يتم إعدامه أو تعذيبه على الأقل .
في السجن لم يستسلم عدنان وأستغل نقله من أقبية الأمن السرية
إلى سجن عام وبدأ بتعليم السجناء اللغة الأنكليزية مشافهة وتطور الأمر لاحقا إلى استعمال أكياس الخيش كألواح ،وبقايا الطعام للكتابة بالأصبع .
لم ينسى أبدا عشقه وشقاه فكان ينحت رؤوس الخيل على ألواح الصابون المسرب ويهديها للرفاق ، انهمك بهوايته الجديدة حتى علت ظهره حدبة لم يكترث بها كثيرا،وفي الليل كان يحاول أن يستحضر صور أطفاله حتى أخر رمشة عين.
في أحد الليالي دخل الحراس الزنزانة واقتادوه إلى قبو السجن وانهالو عليه
بشتى أصناف العذاب ولم يتركوه إلا ونوافير من الدماء تخرج من كل بقعة في جسده ،كانت تلك المرة الأولى التي يتعرض للتعذيب بهذه الوحشية ،علم بعدها السبب من سجناء جدد، وهو أن ابن المعلم قد قضى نحبه مخمورا بحادث سيارة رهيب على الطريق السريع .
تكررت حفلة التعذيب تلك مع كل ذكرى تمر لوفاة ابن المعلم ،وكأن الهالك قد أوصى بها ليشفي غليله حتى بعد مماته .
دارت الأيام وتوفي والد علوان أيضا وتفاءل أهل عدنان خيرا بابنه الأخر الذي استلم منصب والده ، لكن كل أمنياتهم ذهبت أدراج الرياح عندما وصلهم الرد الصاعق منه بأن لاعلاقة له بالأمر وأن من عاقبه مات وسجينهم وديعة منه .
إحدى وعشرون سنة مرت عليه في غياهب السجن لم تنل من إرادة الحياة لديه ومن أخلاق الفارس الشهم الودود ، وبلا سابق إنذار انتشر خبر عفو عام
في السجن وسط تكنهات وتوقعات وغموض حول اسماء المفرج عنهم ،أكثر السجناء طمأنينة كانوا أصحاب التهم الجنائية والأخلاقية
فقد درجت العادة أن يكونو أول المشمولين في كل عفو ،بينما ظل السكون والترقب رفيق باقي السجناء المصنفين تحت بند الإرهاب وأعداء الوطن .. !! في عنبر سجناء الرأي
- الباب الأسود- كما كان يطلق عليه، كان الجميع يدعو الله أن يكون عدنان من ضمن المفرج عنهم ، فقد أصبح الأقدم بينهم والأقرب لقلوب الجميع.
في الصباح طرق السجان باب الزنزانة بعنف وما أن لفظ اسم عدنان حتى دوت صرخة فرح أرتد صداها في كل أرجاء السجن وسارع الرفاق لضم عدنان وتهنئته بحرارة في مشهد فرح لم يعرفه الجميع لسنوات طوال .
بعد أن ودع الرفاق أخرج عدنان من تحت سريره لوحان من الصابون وقد نقش على كل منهما صورة مهر صغير واحد باسم توفيق ابنه البكر والأخر باسم ماريا ابنته الوحيدة والتي كان يحلم أن تصبح فارسة في يوم من الأيام.
مشى صوب باب الزنزانة وهو يحاول ما أمكن أن يرفع هامته وقبل أن يدلف من الباب فتح ذراعيه كعصفور يستعد لأول طلعة في الفضاء الرحب وانطلق يحمل معه قصة غدر لا يصدقها عقل بشر .