صفحة 1 من 1

سر الزرقة - رفعت خالد

مرسل: 03 يناير 2022, 18:39
بواسطة خالد
صورة

1

جَرَع حمزة ما فضل من قهوته المرّة، وقام بعُجالة ناظرا في شاشة هاتفه النقال.. لم يبق من الوقت الكثير.

أخرج حافظته واستلّ منها ورقة نقدية زرقاء مدّها للنّادل المتأنّق، فأمسكها هذا وعلى وجهه بعضُ الضّيق..

- أليس معك عملات صغيرة يا سيدي ؟

حرّك حمزة رأسه نفيا، فزفر النادل وهو يفرد الورقة بتوتر وينظر حوله مرارا، باحثا عن سبيل لصرف المائتي درهم في مثل هذا الصباح الباكر. ثم لم يلبث كثيرا حتى هرول مُسرعا بخطوات واسعة لما لمح حارس السيارات البدين الذي ينقذه عادة من ورطة (الصّرف). وارتفع مع هرولته صوت رنين القطع المعدنية المصطكّة في جيبه الأمامي.

وقف حمزة مكانه أمام باب ذلك المقهى الرباطي، وبدا هادئا وهو يُدير رأسه في الناس والسيارات المتسابقة منذ الصباح الباكر، ماطّا شفتيه عجبا من أحوال الدنيا..

لطالما كان يعجب من مقدرة الناس على شراء السيارات بالخصوص، فقد صارت عنده علامة من علامات (النجاح) في جيله الذي تفشّت فيه البطالة حتى النّخاع، وصار العمل أشبه بمعجزة خارقة تستحق أن يشهدها الناس وتُقام لها الحفلات والأعراس !

درسَ حمزة الحقوق ثم انتقل للصحافة.. حُلمه الأوّل، والآن هو يتدرّب بمقرّ جريدة من الجرائد الرّائدة في المغرب.

تسع وعشرون سنة.. أسمر اللون، بُنّي العين. خفيف شعر الرأس، طويل القامة على شيء من النحافة. والغالب على طبعه الخجل والانطواء ودقة الملاحظة، مع الانكباب على القراءة والكتابة بغزارة عجيبة.

يُعاني من كل ما يمكن أن يعاني منه مُعظم الشباب العربي في الألفية الثالثة.. فقر وعزوبية ووحدة، وعدم استقرار في كل ما ينبغي الاستقرار فيه ! علاوة على عيوبه الشخصية التي منها ما هو عليه الآن.. التأخّر في المواعيد !

جاءه النادل أخيرا وهو يلهث، ودسّ كومة من الأوراق والعملات في كفّه، منتظرا أن يتفضّل عليه بإكرامية جزاء وفاقا. ولكن حمزة ما لبث أن انطلق مهرولا – دون حتى أن يُدقّق في حسابه - ناحية محطة القطار المقابلة للمقهى، وعينه مُعلّقة على الساعة الضّخمة فوق بناية المحطة، والتي كانت تُشير إلى السابعة إلا خمس دقائق.

الجو غائم غامض، والسحب تخفي وراءها ما تخفي.. وحمزة لا يدري ما تؤول إليه مهمته الصحفية الأولى.

- - -

2

- السلام عليكم..

ألقى عامل التذاكر التحية بآلية، وقد أطلّ بوجهه من مقصورة القطار، ناقرا بشيء معدني على بابها الزجاجي.

ردّ حمزة السلام، ووضع الرواية التي كان يقرأها جانبا ليُخرج التذكرة من جيبه..

كانت هناك في المقطورة - قُبالته - فتاة مُحجّبة تضع على الأرضية حولها الكثير من الحقائب السوداء. سلّمت التذكرة بدورها بأدب للعامل الذي نظر فيها بسرعة ثم ردّها، فعادت الفتاة الصموت كما كانت، تنظر شاردة من خلال النافذة إلى بنايات المدينة النّاعسة وهي تولّي مُسرعة للوراء.. وقد التصقت قطرات ماء دقيقة على الزجاج.

أراد حمزة استكمال قراءته ولكنه شعر برغبة مفاجئة للتمشّي، فخرج من المقصورة يلتفت يمنة ويسرة.. ثم قصد نهاية القاطرة جهة اليمين حيث رأى مساحة فارغة.

أسند ظهره على جدار العربة متأملا المنظر في الخارج، وشرد ذهنه بعيدا، مع صوت قطر المطر على السطح..

- - -

شفشاون.. المدينة الزرقاء.

لم يزرها من قبل قطّ، وكم غمرته الفرحة لما علم أن مهمته الصحفية الأولى ستكون هناك. إنها فرصته الذهبية لاستكشاف هذه المدينة العجيبة.

لم يكن ما أعجبه فيها لونها الأزرق المثير كما رآه على الصور، ولا شوارعها الشعبية الضيقة، ولا السلالم الحجرية الصاعدة النازلة. لا بل ما أثار انتباهه - أكثر من كل ذلكم - هو عمرانها الأصيل.. ذاك الخليط السحري من الطابع العربي الإسلامي بأقواسه ومآذنه، والطريقة الأمازيغية المحلية بزخارفها وفسيفسائها، وهالة الأندلس التاريخية التي تغلّف كل ذلك وتحوطه.

لقد نجحت هذه المدينة بالذات في الحفاظ - إلى حدّ كبير – على أكثر تلك المعالم العمرانية الأصيلة، ثم جاء اللون الأزرق - من مكان ما - ليُبرز ذلك كله ويشدّ إليه الناظرين. في زمن صار أكثر عمراننا بشعا قبيحا، تمجّه النفوس الأصيلة، فما عاد ثمّة في شوارع أكثر حواضرنا سوى مكعّبات متراصة، تضيء الأضواء من نوافذها، وتتدلّى الملابس الداخلية من شرفاتها.. لا لون يميزها، ولا ذوق تُعرف به، ولا هوية تنتسب لها. حتى صار يُقاس الإبداع في العمران عند أكثر الناس بطول البنايات، وكمّية الزجاج فيها!

ذلك أن الغرب شاء لنا أن تكون النوافذ والأبواب والألوان كما نرى، بحجة ما يُسمّى (العولمة) و(الحداثة) و(الانفتاح) – أي انفتاحنا نحن عليهم وليس العكس – وربما لأن هذا أسرع في الإنتاج، وأسهل في التشييد والبناء، وأكثر درّا للمال والأعمال.. وهو أسرع وأسهل وأنفع لهم طبعا ولشركاتهم، وليس لنا نحن من ذلك إلا الفتات.

كَتب حمزة هذه الملاحظات الشخصية، التي لم يكن متأكدا من إمكانية نشرها، وكتب تحتها مقتطفات تاريخية مما عثر عليه في الشبكة حول المدينة..

كان عليه تقديم التقرير بعد ثلاثة أيام، حيث المفروض أن يُجيب عن التفسير الحقيقي لزُرقة المدينة من بين كل التفسيرات المتداولة.. وهذا كان موضوع تحقيقه الصحفي.

فما سبب زُرقتك يا شفشاون ؟

- - -

3

- لا عليك.. هذا سهل.

قالها حمزة وهو يحمل حقيبتين سوداوين من حقائب الفتاة لينزل بهما سلم القطار الذي استقرّ في محطة الوصول.. ولم تكونا – في الحقيقة - سهلتي الحمل كما ادّعى !

- شكرا أستاذ...

- حمزة.. اسمي حمزة.

- شكرا أستاذ حمزة. أنا.. ريم أسكن هنا بشفشاون.

- اه جميل، لي الشرف.. و.. رافقتك السلامة.

ثم انصرف فجأة حاملا حقيبته بخطوات سريعة، وهو يمسح جبينه كأنما يتصبّب عرقا مع أن الجو بارد !

ربما كانت هذه أطول محادثة له مع أنثى غريبة عليه ! ولذلك احتاج بعدها لبعض الوقت حتى يعود لهدوئه واتزانه، وتختفي ابتسامة (ريم) تلك من بين عينيه.. فقصد أول مقهى وجده بجانب المحطة، وتناول ثمة قدحا من (البيصارة) الشمالية وبعض الفطائر المغموسة في العسل، فنشط بدنه وتفتحت عيناه الناعستان. وجعل يتأمل المدينة من حوله وقد أمسك المطر..

لاحظ حركة السكان والسيارات، وميز العمران البسيط المريح للعين، ثم انتبه إلى أن اللون الأزرق يبدأ في الشق الأيمن من المدينة ويستمر إلى حدود البصر.

وبحركة لاشعورية رفع كأس الماء عن فمه، ومرر عليه ظهر يده ماسحا، وهو مُثبت نظره حيث الزرقة..

لقد استيقظ فضوله.

- - -

تقع في شمال المغرب.. وبالضبط في جهة طنجة. وتتموقع عند سفح جبل (القلعة).

تأسست سنة 1471 ميلادية، على يد مولاي علي بن راشد، لإيواء مسلمي الأندلس بعد طردهم من طرف الإسبان، كما كانت بمثابة قلعة للمجاهدين ضد الاستعمار.

تمتاز بكثرة الحرف التقليدية، والمنتجات المحلية، والمشاهد الطبيعية. ويعتبرها البعض سادس أجمل مدينة في العالم.

وهي من بين الحواضر المغربية ذات الطابع الأندلسي، حيث نتج عن هجرات المسلمين (الموريسكيين) ظهور هذا العمران المتميز وتوسّعه.

اشتُقّ لفظها (شفشاون) من اللفظ الأمازيغي "إيشاون" والتي تعني "القرون"، مع كلمة "شف" أي "أنظر القرون" !

- - -

سأل كثيرا عن نزل متواضع يُناسب ما معه من المال، فكثير من الفنادق هنا خاص بالسياح ذوي الدولارات والأوروات. وخلال بحثه وسؤاله امتلأت عيناه بذاك اللون الأزرق الحالم.. أزقة ضيقة، أقواس في كل مكان، سكان بسطاء يتكلمون بتلك اللكنة الجبلية الساحرة.. سلالم حجرية صاعدة ونازلة، لا تكاد تميزها العين أحيانا لاختلاط زُرقتها بزُرقة الأرضية والجدران !

حقا إن صاحب فكرة الزرقة هذه جريء غاية الجرأة.. فلو أنصت للقواعد و(العلوم) الغربية - كما نفعل نحن اليوم - لما تأتّى له أن يُبدع هذه الفكرة.. ولكن من هو صاحبها أصلا ؟

محلات بزارات وما فيها من منتوجات محلية ملونة ومزركشة، ومزهريات معلقة وموضوعة ومصفوفة على طول الأحياء الشعبية.

اصطدم فجأة بشيء في طريقة وهو يتأمّل..

- - -

4

تأوّه متقهقرا للوراء.. فإذا برجل غريب الهيأة واقف أمامه.

كان طويل الرقبة، واسع العينين، ذو لحية خفيفة مشعثة، معتمرا قبعة دائرية من قصب ملون، كان يرمقه بوجه بارد..

تحرّج حمزة وابتسم، واعتذر. ولكن الرجل لم يُحرّك ساكنا، واكتفى بالنظر إلى عينيه في ثبات.

هل هم غير معتادين على الأجانب لهذا الحدّ، أم ماذا ؟

انصرف حمزة وهو يتلفّت للوراء كل خطوتين متعجبا من أمر الرجل. ولم يدري لماذا ظنّ حينها أن بؤبؤ عين الرجل ليس على ما يُرام ! أم تُراه كان أعمى ؟

جاهد نفسه لينسى ما كان ويُركّز على مهمته، فجدّ في المشي قاصدا إلى نُزل وصفه له طفل قبل قليل، يقع في نهاية هذا الحي..

كان يمشي بخطوات سريعة، ويسمع رجع صدى خطواته وتلاحق نفسه في ذاك الحي الضيّق.

مرت بجانبه قطة حليبية اللون، فتوقفت تنظر إليه بطريقة آدمية أزعجته، وذكّرته كثيرا بنظرات الرجل قبل قليل. فهزّ رأسه طاردا تلك الخواطر الغريبة، مواصلا الخطو..

ثم لاحظ أن برودة الجو قد تزايدت، وتلبّدت غيوم السماء أكثر فعادت إضاءة المكان غريبة جدا.. خليط بين الرمادي والأزرق !

توقف ليُخرج المعطف الذي حشره صباحا في حقيبته الظهرية، فشرعت الأمطار في الهطول فجأة، قبل أن يتمكن من ارتداء المعطف واعتمار قبعته قطنية الأطراف.

ثم استطرد في المشي بسرعة وهو يدسّ يديه في جيب معطفه.. لماذا كلما توغّل في الحيّ زادت زُرقة الجدران ؟

"حسن.. هذا ما علي الإجابة عنه على كل حال"

طوال مشيه في هذا الزقاق كان يشعر - من حين لآخر - بنوافذ تُفتح ووجوه تطل، ولكنه لم يولي ذلك كثير أهمية، فالفضوليون في كل مكان. إلا أنه الآن يُحسّ - أو يخُيّل إليه - أن سُكان الحي كلهم يطلّون عليه من نوافذهم !

توقف ورفع رأسه.. ليشهد مشهدا عجبا !

- - -

نظر إلى أعلى ليرى – في مثل لمح البصر – عشرات الوجوه تُطل من النوافذ، ثم اختفت بغتة دفعة واحدة، في منظر مهول، لدرجة أنه لم يميز وجها واحدا !

وفي الحقيقة ميّز حمزة أشياء غريبة جدا في تلك اللمحة الخاطفة، إلا أن عقله نفاها تقريبا في عملية آلية لا قبل له بها..

أشياء كتلك التي ظن أنه رآها لا يمكن أن يراها المرء في وضح النهار.. كلا. أنت مجنون يا عقلي، وأنت حولاء يا عيني !

حسن، يُمكننا وصف ما أصاب حمزة الآن بالفزع.. فقد توقف عاجزا عن التصرف، ملتفتا كالأبله في كل اتجاه. وقد انتابه شعور غريب بأن الحي صار أكثر إظلاما من ذي قبل، كأن عشرات الخيالات حطّت على جدرانه، أو كأن زرقة الجدران تحولت إلى لون أقرب للسواد. أم هي الغيوم من تلعب لعبة الألوان هذه ؟

ما هذا الذي يحدث ؟ وكيف يكتب ما خاضه وأحسّه قبل قليل في تقريره ؟ بل كيف يصفه أصلا - ولو لنفسه - هو الذي اعتاد كتابة الخواطر، ووصف المشاعر ؟

أفاق من صدمته قليلا، فوجد أنه يقف تحت شلال هادر من الأمطار !

شرع يركض ممسكا قلنسوة معطفه، حريصا على ألا ينظر إلى فوق.

"ما هذا الكابوس الذي أعيشه ؟ هل شربت شيئا في القهوة ؟"

ثم لم تمض بعد ذلك دقيقة أو دقيقتان حتى كان يقف أمام باب أزرق ضخم ، مكتوب فوقه بخط يدوي عتيق (نزل الموريسكي الأخير).

- - -

5

- تفضل..

قالتها امرأة أربعينية وهي تمدّ يدها مرحبة. ثم توجهت لمكتبها العتيق، وجلست مبتسمة وهي تفتح سجلا أمامها. وقرأ حمزة اسم (منيرة) على لافتة فوق المكتب..

طلبت اسمه وبطاقته فأجابها حمزة بأدب، ثم مدت له مفتاحا ذو شكل غريب عليه رقم 13.

- شكرا..

توجه حيث أشارت له (منيرة)، إلى سلّم لولبي عتيق أزرق اللون، وصعد درجاته..

الغرفة كانت بسيطة الأثاث، متوسطة الحجم.. وقف عند نافذتها لحظة يُطلّ على الأمطار المتهاطلة، ومنظر جبلي بالغ السحر. إلا أن تركيزه كان لا يزال مشوشا بفعل الأحداث الغريبة التي خاضها قبل قليل. ولذلك قدّر أنه يحتاج لبعض النوم.

غيّر ملابسه ودخل الحمام الملحق بالغرفة. ثم خرج بعد قليل ليستلقي على السرير ناظرا للسقف بشرود. كان يفكر في عشرات الاحتمالات والحوارات كما يحدث عادة عندما نستلقي على الأسرّة..

ثم أغمض عينيه.

- - -

لما فتحهما نظر في هاتفه فوجد أنها الواحدة ظهرا..

استدار في فراشه فانتبه لأول مرة للوحة على الجدار، وما إن نظر للوجه الذي فيها حتى اعتدل في فراشه مذعورا !

لقد كان وجه الرجل نفسه الذي اصطدم به في الطريق.. نفس الملامح، واللحية المشعثة والقبعة القصبية والنظرة المصممة الباردة.

قلص حمزة عينيه مستغربا، محاولا فهم ما يحدث، لكنه عجز تماما عن ربط هذه اللوحة بالرجل..

ثم لما أحسّ أن وجود اللوحة صار خانقا لأنفاسه (حرفيا)، حمل الهاتف العتيق بجانب السرير واتصل بالرقم المكتوب عليه..

- نعم.. أنا حمزة من الغرفة 13، أرجو أن ترسلي عاملا ليزيل اللوحة التي على الجدار. إنها.. إنها تُقلق راحتي.

- المعذرة سيدي.. أي لوحة ؟

- هناك لوحة على الجدار جهة اليمين لرجل غاضب أو.. لا أدري.

- أؤكد لك سيدي أننا لا نضع لوحات في الفندق.. هناك مرايا فحسب في الجهة التي ذكرت.

صُعق حمزة مرة أخرى والتفت ناحية الجدار ببطء.. ليجد حقا ما قالته المرأة.. مجرد مرآة بريئة خالية بإطار عتيق !

- - -

بعد جولة مسائية منعشة في المدينة عاد حمزة للنّزل، وصعد الدرج بخفة وهو يسمع حوارا ما ناحية مكتب الاستقبال..

توقف بدافع من الفضول وسط السلم.. كان يرى نصف جسد المرأة خلف ستارة، وكانت تتحدث مع أحدهم بلغة غريبة، قدّر أنها اللكنة الجبلية التي تخفى عليه بعض كلماتها، ولكنه سرعان ما استبعد أن تكون هي لما سمع مخارجا حلقية غريبة، تُشبه العبرية لحد ما !

واصل الصعود وحانت منه التفاتة أخيرة قبل أن يغيبه السلم لتتسع عيناه رعبا..

لقد رأى نفس ما ظن أنه رآه في حادثة (الوجوه المطلة)..

رأى المتحدث للمرأة خلف الستارة.. ورأى قرونا !

ركض بسرعة للغرفة وقد قرر الرحيل من هذا المكان المجنون.. أولج المفتاح بصعوبة في الباب فلم يفتح.

"هل غيروا القفل ؟!"

حاول فتح الباب مرارا بعنف وعصبية.. وبعد عدة محاولات انفتح أخيرا، إلا أن هذا لم يبدد شكوكه (المآمراتية) التي بدأت تتصايح بداخله، إذ وجد كراسته مفتوحة على سريره.. ما يعني أن أحدا كان يعبث بحاجياته !

وجدها مفتوحة على الصفحة الأخيرة، حيث العبارة (فما سر زرقتك يا شفشاون؟)..

هنا اختلط كل شيء في ذهنه..

نظرات القطة الآدمية، ونظرات الرجل الذي بؤبؤه يُشبه بؤبؤ القط كثيرا..

الوجوه المطلة والقرون التي خيل إليه رؤيتها !..

إسم شفشاون الأمازيغي أو (شوف القرون!)

وأخيرا تذكر ما قاله الطفل الذي أرشده للفندق لما سأله عن نزل في مكان شديد (الزرقة)، حيث قال ببراءة وقد ظنها دعابة حينها:

- تقصد فندقا للجن الأزرق ؟


تمت
04-2020
(من مسابقة سابقة لسجين القصص)

Re: سر الزرقة - رفعت خالد

مرسل: 03 يناير 2022, 18:40
بواسطة منيرة
^^ الأولى
مديرة السجن ( أنذاك) ^^

Re: سر الزرقة - رفعت خالد

مرسل: 03 يناير 2022, 19:17
بواسطة المهندس
القاص الرائع أخي رفعت خالد

قرأتها دفعة واحدة، وما استطعت أن أتوقف لأشرب سيجارة.
النص يمسك القارىء ولا يتركه حتى الخاتمة.
أكثر ما راق لي يا أخي، هو الانتقالات ( البيئة المكانية والزمانية )
متقنة بشدة ( أقفل عينيه / فتحهما ) وغيرها الكثير في القصة الطويلة نسبياً.
الرحلة بصحبة الشخصية الرئيسة ( حمزة ) كانت مليئة بالمعرفة والتثقيف، بل والسياحة المجانية في ( شفشاون ).
اختيار المهنة ( الصحفي ) المناسبة جداً لهذه الرحلة.
حبكة متصلة محكمة، وعدسة القاص لا تفارق بطلنا ( حمزة ).
المونولوج الداخلي لحمزة، والصراع بين العقل والعين، وتفاعل الشخصية مع كل حدث
( القطار / الفندق ).
الذروة ( العقدة ) في الفندق، واختيار الرقم ( 13 ) للغرفة .. وتفاصيل دقيقة جداً
الرمزية في اختيار اللغة العبرية ..
وتجميع الخيوط في عقل الشخصية حمزة في الخاتمة، التي حملت معها وعلى يد طفل بريء
جواب السؤال ( الزرقة ).

كل ما ذكرت أخي رفعت يخبرني بأن القراءة لك هي أمر ممتع جداُ، ومفيد أيضاً ..
نص رائع جداً.

كل التحية