إبتسم فأنت لا شيء !: مراجعة رواية (الساعة الخامسة والعشرون)

هنا اقتراحات الكتب ونشر المراجعات والآراء حول المقروءات..
قوانين المنتدى
لا نشارك الكتب الرقمية هنا، لكي لا نحمل وزر السرقات الأدبية.. من أراد كتابا يبحث عنه.
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
خالد
مدير المنتدى
مشاركات: 2769
اشترك في: 27 إبريل 2021, 22:19
مكان: المغرب
اتصال:

إبتسم فأنت لا شيء !: مراجعة رواية (الساعة الخامسة والعشرون)

مشاركة بواسطة خالد »

صورة

Keep smiling""..

عبارة ردّدها ضابط أمريكي بمودّة "آمرة" لعائلة رومانية صغيرة تقف أمامه، رجل وزوجه مع ابنيهما، وهو يلتقط لهم صورة قبل الزجّ بهم في معسكر اعتقال ! وقد وضعت الحرب الغربية الثانية أوزارها، ولازال الدخان سابحا في الفضاء..

Keep smiling""

وصلتهم رسالة تبلغهم بأمر الاعتقال فجأة، بعد أن بدؤوا يخططون لتوهم لحياتهم الجديدة لنسيان ويلات الحرب.. يُعتقلون فقط لأنهم من دولة يعدها التحالف من الأعداء !

Keep smiling""

استمر الضابط في تكرارها بآلية وهو يضبط العدسة، والأب عاجز عن الامتثال، عاجز تماما عن الابتسام ! بل إن دموعا بدأت تسيل الآن ساخنة على وجنتيه الشاحبتين..

Keep smiling""..

ثم انفجر الأب باكيا بحرقة أمام زوجه وولديه الذين لا يفهمون لماذا يبكي أبوهم وقد طُلب منه الابتسام !

* * *

غريب كيف لا تجذبك رواية أول وهلة بسبب عنوانها المبتذل أو غلافها العبثي أو حجمها المبالغ فيه، حتى إذا شرعت في قراءتها لسبب ما، وخرقت حاجز الضجر بعد صفحات معدودة سرت في أطرافك قشعريرة لذيذة.. ما هذا الذي أقرأ ؟ هل هو ما كنتُ أبحث عنه في عشرات الروايات من قبل ؟ هل وجدته أخيرا ؟

ذلك العمق الغائر من النفس البشرية الذي لا تكاد تصدق أن الكاتب استطاع التعبير عنه.. وأنّى له ذلك ؟ ماذا قرأ وماذا عاش في حياته يا ترى حتى فهم ما فهم، واكتسب ما اكتسب من مهارات التحليل، وصياغة (الدراما) البشرية في صفحات من حروف وكلمات تعرفها ؟ إنها أعجوبة الأدب يا سادة !

قد لا يكون ما أكتبه الآن (مراجعة) بالمعنى الصحيح للكلمة، ربما كان (مراجعة لانطباعي عن الكتاب) وهذا ما يهمني شخصيا، أريد أن أقرأ يوما ما كان انطباعي عن هذه الرواية بالضبط.. وأعتقد أنه ما يهم الكثير من القراء الحيارى أيضا قبل التورط في رحلة مع رواية شهيرة من خمسمائة صفحة أو يزيد. وإلا فالملخصات والمراجعات النقدية متوفرة مكتوبة ومصورة وبعديد من اللغات لمن أراد أن يستزيد. وذلك مثل سؤالك عن الأكل، إذ تسأل المرءَ كيف وجد ما ذاق، ولا تسأل عن صِفته..

وقد كان الانطباع العام الذي تملّكني خلال قراءتي هذا السِّفر العجيب خليط من التعاطف مع البطل المنكوب والتأمل الفلسفي في خطرات شخوص تكلّم الكاتب من خلالهم محللا ما وصل إليه البشر من شر، مع شاعرية حالمة تنبي عن اليأس النهائي من البشر. وكل ذلك بتلك الطريقة الشاردة الهادئة التي تذكرني بمعلّقي برامج البرّية حيث يسود الصمت طويلا قبل أن ينبعث صوت المعلّق عميقا دافئا: (.. ويستيقظ الفهد من سُباته أخيرا، ليبدأ رحلة جديدة من أجل.. البقاء).

هذه الشاعرية الفلسفية العذبة حافظ عليها الكاتب حتى في مشاهد غريبة وقاسية للغاية، مثل مشهد نقل السجناء في عربات مزدحمة إلى حدّ الموت اختناقا ! حيث كان أحد السجناء يشرح لرفيقه بطل الرواية كيف وصل شرّ الإنسان إلى حدّ خرق قوانين الفيزياء ذاتها، بمحاولة حشر خمسة رجال تقريبا في مكان يشغله عادة رجل واحد، حتى تُسحق منهم الأضلاع، ويعصر بعضهم بعضا ! وبهذا – يقول السجين المسحوق – فاق شرّ البشر حدود تصوّره، وجاوز كل معقول.. كل ذلك وصاحبه لا يسمعه – أصلا - من شدة الزحام و(الانسحاق) ولا ينفكّ يُردّد: (ماذا ؟ لا.. لا يمكنني سماع.. ما تقول !).

هذه اللوحات المأساوية مع التعليق الفلسفي الرّائق، والسخرية اللاذعة برع الكاتب فيها إلى حدّ مُسكر ! لاسيما أسلوب (الجملة العكسية) الساخر، أي قول الشيء مع إرادة ضده.. مثل تلك الرسائل التي بعث بها أحد السجناء المثقفين للسلطات المعنية يشكرهم فيها، ويُبدي (إعجابه) بما وصلت إليه الحضارة الغربية من طُرق آلية عملية في معاملة البشر، ويوصيهم في إحدى تلك الرسائل أن يقتصدوا من وجبات الطعام – الشحيحة أصلا – نظرا لوجود (أنصاف بشر) في المعسكر ! (فلماذا تعطون وجبة كاملة لرجل فقد رجله أو بترت يديه ؟ ألا يُعدّ ذلك تبذيرا لا داعي له ؟!).. وكذلك يسخر منهم.

* * *

هذه الرواية الحزينة أراها وثيقة مهمة تؤرخ لبعض ما حدث خلال الحرب الغربية الثانية من فظاعة تعجز عن الوصف، إذ تفجّر الشر الأسود الكامن في النفوس دفعة واحدة، وبدأ الغرب بتنفيذ أفكار فلاسفته الشيطانية في (ترشيد) البشر وتدجينهم وإخضاعم للتجارب المرعبة. ثم تحكيم الآلات عليهم كأنهم قطعان من الغنم.. مجرد أرقام متتالية، لا يهم واحدها في شيء. وهذه – بالمناسبة – أهم الأفكار التي انتقدها الكاتب في الفلسفة الغربية، وركزّ عليها.. لا تهمّ مشاعرك الشخصية، وما إذا كنت مظلوما أو منصَفا أو سعيدا أو كئيبا أو حتى يهوديا أو غير يهودي في معسكر اليهود.. لا يهم شيء من ذلك. هم فقط ينظرون للمعسكر نظرة واحدة، قطعة هائلة غير صالحة من اللحم والشحم.. محمية قرود غير مرغوب فيهم !

وبذلك تكون هذه الرواية نقدا مُفحما للحضارة الغربية من كاتب غربي – روماني – علاوة على كونها وثيقة تاريخية تحكي أحداثا حقيقية لشخص سماه الكاتب (موريتز) لن تًصدّق الدرجة التي بلغها من النحس، حتى لكأن الحرب الثانية إنما قامت من أجل تعذيبه هو شخصيا !

ولم أفوّت ملاحظة ذكرها الكاتب، كنت قرأتها من قبل في كتاب (الإسلام بين الشرق والغرب) لعلي عزت بيجوفيتش، وهي أن الشيوعية والرأسمالية ليسا في الحقيقة إلا وجهان لعملة واحدة.. كلاهما نابع من عقيدة فاسدة واحدة. فكر إنسان مُتجبّر ومُتكبر على خالقه، قد تجرّد من كل إنسانية بعد أن جعل الإنسان مجرد (قرد متطور) ثم وجد أنه ربما بالغ في تمجيده، فجلعه (وسخ كيماوي) ليس إلا.. فتصوروا لو وقع هذا (الإنسان/المسخ/الوسخ) أسيرا لدى هؤلاء، ماذا يكون ؟ !

كل ذلك تجمّع في ذهني وأنا أقرأ عبارة الضابط الأمريكي المتناقضة مع واقع الحال: Keep smiling"". كأنه يُريد: (إبتسم.. فأنت لا شيء !).

خالد
02-2021
🥇🥇🥈🥈🥈🥉

صورة العضو الرمزية
نجمة
عضو ذهبيّ (1500+)
عضو ذهبيّ (1500+)
مشاركات: 3722
اشترك في: 28 إبريل 2021, 11:58
مكان: جدة ...المملكة العربية السعودية

Re: إبتسم فأنت لا شيء !: مراجعة رواية (الساعة الخامسة والعشرون)

مشاركة بواسطة نجمة »

بسبب قرآءتي للمراجعة هذه
تم التحميل هه
أحب هذا النوع من الروايات
سأعود ان شاء الله
بعد القرآءة
🥉🥉🥉

صورة العضو الرمزية
جويدة
عضو وفيّ للمنتجع
عضو وفيّ للمنتجع
مشاركات: 798
اشترك في: 28 إبريل 2021, 11:28

Re: إبتسم فأنت لا شيء !: مراجعة رواية (الساعة الخامسة والعشرون)

مشاركة بواسطة جويدة »

مع ان الرواية تبدو عميقة لكنها ضاربة بجذورها في الحزن ...ذلك القاع الذي اعمل جاهدة للفرار منه ....ما من شك ان الالم خير معلم و لكن...حتما ليس الان ...انا في معركة ترميم الذات و هذا اخر ما تمنى قراءته .
تكفيني مراجعتك اخي و شكرا لجهودك

صورة العضو الرمزية
خالد
مدير المنتدى
مشاركات: 2769
اشترك في: 27 إبريل 2021, 22:19
مكان: المغرب
اتصال:

Re: إبتسم فأنت لا شيء !: مراجعة رواية (الساعة الخامسة والعشرون)

مشاركة بواسطة خالد »

شكرا ريم وجويدة..
صحيح.. أحيانا لا تكون اعصابنا مستعدة لنوع معين من القصص، ولكن الغريب أن ما نخشاه أحيانا قد يكون هو ما نحتاجه بالضبط.. ولكنه التهيب والانطباع الأولي الذي نتخيله عن الأشخاص أو الكتب.. وذاك موضوع طويل آخر ^^
🥇🥇🥈🥈🥈🥉

أضف رد جديد

العودة إلى ”منتجع الكتب والمراجعات“