الحصان الأسود ( علي مهلهل + محمد كنجو ) مسابقة القصة الثنائية 1
مرسل: 17 أكتوبر 2021, 14:26
الشوارع شبه فارغة، المحلات مغلقة أغلب الواجهات محطمة و قطع الزجاج متناثرة في كل مكان، القطط والكلاب تسرح وتمرح حول أكوام القمامة وكأنها كتائب احتلال استباحت كل الأماكن ،أغلب السكان غادروا إلى الجبال والقرى البعيدة بحثا عن ملاذ يقيهم شر ما هو آت ومن بقي منهم انتشروا على الأرصفة ومقاعد ومروج الحدائق، أبصارهم شاخصة إلى السماء "وكأن على رؤوسهم الطير ".
ركن سيارته إلى جانب الطريق ،
أمسك هاتفه مجددا وفتح ألبوم صوره ، تفحصها بلهفة مودع ومعها استعاد شريط حياته وذكرياته بلوعة وآسى إلى أن غشت عينيه الدموع ، لام نفسه طويلا وتمنى لو غادر مع المغادرين إلى بلده عندما كان الأمر متاحا .
في حيرة ويأس كرر محاولاته الإتصال وهو يعلم يقينا أن ما من مجيب على الطرف الأخر ،نظر إلى ساعته بهلع ،لم يعد هناك متسع من الوقت ،شعر بعقرب الثواني يلسعه مع كل تكة،جل تفكيره كان منصبا على أن يجد وسيلة مايسمع فيها صوت أحد من أهله و أحبابه لكن هيهات .. !!
بين عشية وضحاها انقلب العالم رأسا على عقب الأخبار المروعة باتت حقيقة لا تقبل الشك ، حتى ليلة الأمس كان يشعر في قرارة نفسه أن هذا الأمر لايعدو كونه محض مؤامرة كبرى أو خيال تجاوز الحد ،لكن توقف الإنترنت بالكامل طيلة الأيام الماضية وتوقف حركة الطيران والفوضى العارمة التي سادت كل مدن العالم ولون السماء الباهت الغريب والمريب هذا اليوم وضعه امام حقيقة كان يآبى أن يصدقها ،الأرض على موعد مع اصطدام وشيك وكارثي لنيزك شارد كما أكدت كل المراصد
ووكالات الفضاء وتكهنت بحسابات فلكية ورياضية بساعة الصفر ،أسند رأسه إلى المقعد وأغمض عينيه مصغيا بخشوع واستسلام تام إلى صوت التكبيرات والأدعية التي كان يرتد صداها من المسجد الكبير في وسط المدينة .
.
كانت ليلة باردة الأرض كأنها بركان مستعر، والسماءكأنها موجٌ ملتهب، أجوب الأرض لعلي في غياهبِ الجب أعتصم، أذود عن نفسي بعد أهلي وأفتكر، ينوح كل من حولي، أجري وكأن أرضي تنكمش، أكرر النظر ألا وكل شيئ يحتضر ..هذا ماحلمت به صديقي الطبيب.. !!
- ثلاث سنوات مرت ومازلت تحلم بماجرى...؟
لنشكر الله أننا نجونا وها أنت تتعافى جسدا وما عليك إلا الإعتناء بتلك الروح المنهكة ، فجراح النفس أنت وحدك من يطببها بالصبر والإيمان ،بالمناسبة استمحيك عذرا لاستعارتي دون أذن تلك الرواية التي وجدناها في سيارتك.
-ايكادولي تقصد ..؟ ذكرتني بها وبأسرتي الكبيرة ، كنا نعد العدة لقراءتها أنا وأصدقائي معا وكتابةمراجعة عنها ،يالها من ذكريات رائعة ،قضينا معا لحظات كانت هي أجمل ما خلد بذاكرتي من ذاك الزمن الجميل .
- ما رأيك لو تستعيد بعض من ذلك ،الأدب يزدهر في كل مكان بعد الكارثة ،وهناك مسابقة "من وحل ماحدث" لأول مرة ثنائية في العاصمة تجمع نخبة الكتاب والشعراء من كل مكان ولن أجد شريكا أفضل منك يفهمني وأفهمه بعد كل تلك الأيام والليالي التي قضيناها معا بحلوها ومرها
سنكون الحصان الأسود ياعلي صدقني .
تهللت أسارير علي للخبر السعيد وزاد في حماسه هذا التفاؤل والتشجيع من صديقه وكان الأمر بمثابة طوق نجاة وبارقة ضوء في نهاية نفق مظلم ، انكب على الأوراق التي أعطاها له صديقه محمد ،استغلا كل فرصة متاحة للتشاور وتبادل الأفكار وتوصلا إلى حلول وسط أرضت كلاهما ،وتكفل شريكه بإرسال النص عبر البريد للمنظمين قبل انقضاء مهلة التسجيل بقليل .
بعد خمسة عشر يوما عاد محمد على غير عادته باكرا إلى المنزل وهو يلوح ببرقية وصلت لتوها من مصلحة البريد، ملأ صراخه كل أرجاء المنزل :
- علي ياعلي ..
-هات البشرى ياعلي ...
-الحصان الأسود يفوز ..
قفز علي من على كرسيه وهرول صوب صديقه وهو غير مصدق لما يسمع ،
تبادلا العناق والتهنئة ، ووقف محمد مشدوها وهو يرى صديقه
يعتلي الأريكة وهو ينشد بصوت جهوري :
ولقد رأيتُ الدار بعد توهُجي
فبكيتُ حتى تاهَ مني مُقبلِ
فأزحتُ وجهي لا أرى فيهِّ همُ
وكررتُ ما أبكاني غير تميُلِ
لصديقِ دارًا بصَّديقِ تزينت
وبنيتُ دارًا بعد دارًا تنجلِ
ونطقتُ يومًا والقلم هو غدِ
فكتبتُ إقرأ بالأيادي لتعتلِ
ونفضتُ أغبار الزمانِ ومادنا
منـي ومـا ادنـاهُ إلا وابلـي
بعزيمتي بمُثقفي وتفاؤلي
وبريشتي قِممُ الجبالِ تنجلِ
وذكرتُ أطلال الأحبةِ عندما
أنسل يومي بعد يومٍ ينسُلِ
ونظرتُ للحشد الكثيفِ كأنهم
أفواجُ طيرٍ في السماءِ تُهلهل
ورفعت طرفي لا أرى غيرَ همُ
ما لي أرى ما لايراه البلبل
فشكـرتُ ربي للقاءِ عنـدما
كادت عيون اليأس مني تنخلِ