-الرواية: الملف 42.ما دام كاتبا مغربيا فمن الطبيعي أن يؤلف رواية مشحونة باليأس، لو كان بها سطر متفائل واحد لنقلتها فورا إلى خانة أدب الخيال العلمي.
-الكاتب: عبد المجيد سباطة.
-البلد: المغرب.
-سنة الإصدار: 2020
بطريقة مذهلة نجح الكاتب في أن يشدني لقراءة الرواية منذ الصفحة الأولى بها، ويمكن تقديم الملف 42 ببساطة شديدة على أنها رواية مغربية لكاتب فذ، عرف كيف يستغل شيئا من التاريخ، ليقدمه لنا في أسلوب أدبي متميز.
عنوان الرواية يدل بطريقة ما على أنها بوليسية، وهذا ما شدنّي إليها في بادئ الأمر، نحن لا نجد عناوين كهذه كل مرة، خاصة أن العنوان مقدم بطريقة توحي لك أنك في صدد نبش ملف (رواية) للبحث عن قضية ما، وهو أمر أقرب إلى ما يفعله رجال المخابرات والمحققين في الأفلام البوليسية.
بالنسبة للغلاف، هو الآخر لا يبتعد بك عن هذه النظرة الأولية، بل يعززها أكثر من ذلك، وخاصة مع ملاحظتك لتلك الأشرطة الصفراء التي يحوّط بها رجال الشرطة مسرح الجريمة.. ثم تقع عيناك على الختم الأحمر وبداخله "الملف 42" هنا تبادر إلى ذهني مباشرة الملفات والوثائق الإدارية. فلا يبقى شك لدي القارئ أن الكاتب سيتناول بطريقة أو بأخرى "جريمة" لكن أي جريمة بالضبط؟
من أول الصفحات قادني عقلي للربط بين الرواية التي بين يدي وبين رواية قرأتها منذ زمن بعيد "لاعب الشطرنج" حتى أني لا أذكر كاتبها، غير أنها من أفضل الروايات التي قرأتها. ولأصدقكم القول فإني لم أعرف سبب هذا الربط في البداية، لكن مع تقدم الأحداث، وسجن زهير بلقاسم في سيبيريا وكيف كان يفكر في حل لغز مجرم حديقة الشطرنج، كي يشغل نفسه بشيء ما.. اهتديت أن الرابط المشترك بين الروايتين هو محاولة كلا البطلين في إيجاد طريقة للقتل الملل، وأيضا هناك جانب مشترك آخر بين الشخصيتين: فالبطل في رواية لاعب الشطرنج كان يجمع فتات الخبز والطعام كي يكوّن قطع الشطرنج. وزهير بلقاسم كان يجمع قصاصات الجرائد لمعرفة المزيد من التفاصيل.
الرواية بالنسبة لي كانت أقرب من لعبة تجميع قطع لوحة معينة، حيث تقوم بتجميع عدة قطع من لوحة معينة للوصول إلى الصورة الكامل النهائية، لذلك فالقارئ البسيط قد يجد مشكلة حقيقة في التعامل مع الرواية، فهو سيتصور أن الكاتب يحشو الرواية كي يزيد من عدد صفحاتها لا غير، وقد يدفعه الأمر إلى ترك الرواية في منتصفها؛ مثلا ما الرابط بين كريستين وبين زهير بلقاسم، وبين الكاتب نفسه!؟ وربما ليتفادى الكاتب هذا المنزلق استخدم حيلة ذكية، نجدها غالبًا في المسلسلات، حيث ينتهي المسلسل على لقطة غامضة، تجعلك تتطلع بشغف لمعرفة الحلقة القادمة، كذلك فعل الكاتب كي يدفع القارئ في كل مرة إلى الفصل الموالي رغم أنفه.
استعمال القصاصات داخل الرواية ليس جديدا بالنسبة لي -أحسب أن حسن الجندي استخدم هذه الطريقة في ثلاثية مخطوطة ابن إسحاق، وأيضا في احدى روايات أحمد خالد توفيق التي نسيت اسمها- لكن أحب هذه الطريقة كثيرًا؛ لأنها بكل بساطة تجعلك تصدق أن ما يرد في الرواية هو حقيقة لا غبار عليها.. فيمكن لشخص أن يكتب رواية متخيلة، ليس فيها حدثا حقيقيًا واحدًا، وإذا جاءك ببعض المصادر المهمومة، أو ببعض قصاصات الجرائد المزيفة، ستميل بلا وعي منك -حتى لو كنت تدري أنها مجرد خدع- إلى قراءة الرواية بكل شغف!
الشيء الجديد وصادم بالنسبة لي، هو كون الكاتب ضمن شخصيات الرواية، نعم الكاتب.. في البداية يظهر كشخص راوي، كأي راوي عليم في جميع الروايات، وفي النهاية يظهر مجددا باسمه "عبد المجيد سباطة" ليسترد مخطوط روايته الذي ضاع في بداية الرواية!
اعتمد الكاتب في روايته الملف 42، سردًا تناوبيًا تتعاقب فيه الشخصيات على السرد، إذ يتعاقب على السرد كل من بلقاسم زهير، وكريستين ما كميلان، ورشيد بناصر، والراوي العليم، حيث تنوعت باختلاف الفصول، وانتقال السرد من حكاية إلى أخرى، ومن شخصية إلى شخصية، ومن زمن إلى آخر، ومن فضاء إلى فضاء للعالم. وكانت هذه طريقة جميلة كي لا يتسلل الملل والسئم إلى القارئ.
في بداية المراجعة طرحت سؤالًا وقلت: وهناك لا يبقى شك لدي القارئ أن الكاتب سيتناول بطريقة أو بأخرى "جريمة" لكن أي جريمة بالضبط؟ ولأنّي لا أحب أن أحرق الأحداث على القارئ في مراجعاتي، سأقول جملة بسيطة: جريمة امتهان كرامة الإنسان. حيث تناول فيها قضية حقيقة حدثت في المغرب في نهاية الخمسينيات وبدايات الستينيات من القرن الماضي، وهو ما أعطى للرواية طابعًا بوليسيًا، رغم غياب الشرطة، واللجوء إلى اعتماد أسلوب التحقيق الأدبي.
رواية مميزة بالفعل، رغم بعض الملاحظات البسيطة التي أخذتها على الرواية أثناء قراءتي لها، تجاه بعض الأمور التي لم ترق لي. وأرجو للكاتب عبد المجيد مزيدًا من التوفيق.
-تمت بحمد الله-
بقلم: حمزة إزمار
في تاريخ: 28-09-2021