قاهر اللذات...من أرشيف جويدة
قوانين المنتدى
المرجو الابتعاد عن القصص الإباحية وقصص علاقات الخيانة وكل علاقة محرمة
المرجو الابتعاد عن القصص الإباحية وقصص علاقات الخيانة وكل علاقة محرمة
- جويدة
- عضو وفيّ للمنتجع
- مشاركات: 798
- اشترك في: 28 إبريل 2021, 11:28
قاهر اللذات...من أرشيف جويدة
كلما همت بشواء الفلفل و رأت جلدها ينفصل عن لحمها فيصبح بنيا ثم يتحول الى السواد تستذكر الاية الكريمة من سورة النساء التي يقول الله فيها : ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب. فيعتريها شعور الخوف من امكانية حصول الامر ذاته معها في جهنم وبئس المصير .
أمس اشتهت أمل تناول الخوخ فكان بعد ساعات قليلة بين يديها و بكل لهفة راحت تغسل أجمل و أنضج و أكبر حبة …قربتها الى فمها و قضمت قضمة كبيرة جدا كشفت عن نواة الخوخة و عن عدد لا يحصى من الدود و لعلها نقلت بعضه الى فمها فتسمرت في مكانها للحظات ،و بسرعة البرق قفزت الى الحمام لتتقيأ تلك القضمة و راحت تجهد نفسها اكثر بالمضمضة مرارا و تكرارا و نفسها تلعي لعيا كلما تذكرت منظر الدود و هو يتمايل يمنة و شمالا و كأنه يتراقص بسعادة لانه يحظى بالسكن و المأكل في ذات الوقت و من ذات الشيء .
باتت أمل ليلتها تلك و منظر الدود لا تفارقها مع أن هذا ما سيحل بكل مخلوق بعد الموت ،سينخر الدود الذي قرفت منه من أجسادنا و سيرقص احتفالا بذلك ،و لن نتمكن من دفعه عنا حتى لا يعود فينا الا العظام الجافة و التي ستؤول الى تراب .
من التراب و اليه،انها حقيقة أدركتها أمل في سن صغيرة جدا
بدأت قصتها مع ادراك الموت حين كانت تبلغ العاشرة
كانت تخضع لمراقبة طبية روتينية لتتمكن من الذهاب الى المخيم الصيفي حين شكت الطبيبة في سلامة صحتها و طلبت من امها اجراء بعض الفحوصات و التحاليل للتحقق من الامر و ان هي الا أيام حتى اكدت الطبيبة للأم و على مسامع الطفلة انها مصابة بروماتيزم في القلب و انها لن تبلغ الخامسة و العشرين و ان بلغتها فلن تستطيع الانجاب يوما فقلبها لن يحتمل ظروف الحمل و الولادة.
لم يكن الخبر صادما بالنسبة لأمل في تلك اللحظة لأنها لم تكن تقدر الحياة و لا الموت و لم تكن تفكر سوى باللحظة التي تستمتع فيها باللعب لكنها فزعت لفزع أمها و قلقت لقلقها و صارت تفكر جديا بما يحزنها و بدات تعمل عقلها الصغير في امور الموت و ما بعده منذ ان يسلم الانسان الروح الى ان يلقى ربه فينال الجزاء أو العقاب .
بالنهار كانت تلعب و تمرح و تقوم بما لا تجرأ عليه الفتيات في سنها لانه لم يكن لديها وقت لتأجيل اي امر و بالليل كانت تراجع ما فعلته بالنهار و تحاسب نفسها حسابا عسيرا فتسر بالاعمال الطيبة و تحزن للتصرفات الطائشة و تعاهد نفسها على تصحيح الامور اذا ما أصبحت يوم غد و كتب الله لها يوما جديدا ثم تنغمس في تخيل الجنة و الجحيم و تتخيل من سيحزن من بعدها و من لن يهتم للامر و تفكر حتى بتوزيع ممتلكاتها البسيطة فالسرير مثلا سيكون لأخيها الصغير و الملابس لابنة خالتها و ادواتها المدرسية لبعض اصدقائها و هكذا كانت توزع تركتها كل ليلة فاذا غضبت من شخص ما حرمته اياها فان رضيت ارجعتها له و قد تزيد عليها أو تنقص .
كان هذا يحدث معها كل ليلة
كانت الطبيبة قد وصفت لها دواءا مختلفا و مجموعة حقن كان يفترض بها اخذها مرة خلال كل واحد و عشرين يوما لكنها كانت اشد ما تخاف من وخز الحقن فاخذت بعضها مكرهة و لجأت الى حيلة بسيطة بعد ذلك بالتخلص منها في اي زاوية شارع و تعود الى امها متظاهرة بالالم و عدم القدرة على السير باعتدال و انطلت خدعتها على الكل و مضت السنوات دون تلقي العلاج وفي انتظار الموت المحتم.
صارت أمل في الخامس عشرة … كانت تشاهد التلفاز مع اخوتها و اذا باكبرهم يدخل عليهم الغرفة و يدفعهم دفعا الى خارج البيت … تسبب باضرام حريق غير متعمد في الغرفة المجاورة حيث كان يحاول اصلاح دراجته النارية فانفجر المحرك و اندلعت نار مهولة …صارت الام تصرخ و تولول :ابني احرقني .
لم يفهم الناس منها شيئا و هي تبدو سليمة معافاة ،و فرالأخ هاربا من هول الصدمة و لم تجد أمل نفسها الا و هي تخترق النيران و تدخل بقلب الغرفة محل الحريق و حاولت اطفاء النار ببعض الماء … تبعها اخوها الصغير و تداولا تباعا محاولين اخماد النار حتى امتلأت رئتا أمل دخانا او كادت فجثت على ركبتيها للحظة و بدأت تراقب تسارع الاحداث و أيقنت أن ساعتها حانت و ان هي الا ثوان حتى تدخل الجيران و اطفؤوا النار بالكامل
تفاجأت أمل من جرأتها على التصدي للنار و ادركت لحظتها ان حياتها لم تعد تساوي عندها شيئا و انها صارت مستعدة للموت في اية لحظة و قبل الموعد الذي حدده الاطباء ثم نظرت الى وجه أخيها الصغير و قد كساه سواد الدخان فصار يبدو كالزنوج رغم شقاره و انفجرا في سلسلة من الضحك القوي و الناس حولهم حائرون و لعلهم ظنوا انها وقع الصدمة عليهما.
في الرابعة و العشرين لم يكن من المفترض لأمل أن تعيش لأكثر من سنة فقررت فيها تجديد التحاليل الطبية لمعرفة درجة تطور المرض معها و كم تبقى لها لتحياه
انجزت تحليلا اوليا ثم اعادته ليؤكد لها أكثر من طبيب انها لا تعاني من اي مرض و انه لا شك من خطأ في التشخيص السابق .
تجاوزت أمل سن الأربعين و لا تزال فكرة الموت و ظلام القبر و الديدان والجزاء او العقاب تؤرق جزءا من ليلها و بعضا من ايامها .
أمس اشتهت أمل تناول الخوخ فكان بعد ساعات قليلة بين يديها و بكل لهفة راحت تغسل أجمل و أنضج و أكبر حبة …قربتها الى فمها و قضمت قضمة كبيرة جدا كشفت عن نواة الخوخة و عن عدد لا يحصى من الدود و لعلها نقلت بعضه الى فمها فتسمرت في مكانها للحظات ،و بسرعة البرق قفزت الى الحمام لتتقيأ تلك القضمة و راحت تجهد نفسها اكثر بالمضمضة مرارا و تكرارا و نفسها تلعي لعيا كلما تذكرت منظر الدود و هو يتمايل يمنة و شمالا و كأنه يتراقص بسعادة لانه يحظى بالسكن و المأكل في ذات الوقت و من ذات الشيء .
باتت أمل ليلتها تلك و منظر الدود لا تفارقها مع أن هذا ما سيحل بكل مخلوق بعد الموت ،سينخر الدود الذي قرفت منه من أجسادنا و سيرقص احتفالا بذلك ،و لن نتمكن من دفعه عنا حتى لا يعود فينا الا العظام الجافة و التي ستؤول الى تراب .
من التراب و اليه،انها حقيقة أدركتها أمل في سن صغيرة جدا
بدأت قصتها مع ادراك الموت حين كانت تبلغ العاشرة
كانت تخضع لمراقبة طبية روتينية لتتمكن من الذهاب الى المخيم الصيفي حين شكت الطبيبة في سلامة صحتها و طلبت من امها اجراء بعض الفحوصات و التحاليل للتحقق من الامر و ان هي الا أيام حتى اكدت الطبيبة للأم و على مسامع الطفلة انها مصابة بروماتيزم في القلب و انها لن تبلغ الخامسة و العشرين و ان بلغتها فلن تستطيع الانجاب يوما فقلبها لن يحتمل ظروف الحمل و الولادة.
لم يكن الخبر صادما بالنسبة لأمل في تلك اللحظة لأنها لم تكن تقدر الحياة و لا الموت و لم تكن تفكر سوى باللحظة التي تستمتع فيها باللعب لكنها فزعت لفزع أمها و قلقت لقلقها و صارت تفكر جديا بما يحزنها و بدات تعمل عقلها الصغير في امور الموت و ما بعده منذ ان يسلم الانسان الروح الى ان يلقى ربه فينال الجزاء أو العقاب .
بالنهار كانت تلعب و تمرح و تقوم بما لا تجرأ عليه الفتيات في سنها لانه لم يكن لديها وقت لتأجيل اي امر و بالليل كانت تراجع ما فعلته بالنهار و تحاسب نفسها حسابا عسيرا فتسر بالاعمال الطيبة و تحزن للتصرفات الطائشة و تعاهد نفسها على تصحيح الامور اذا ما أصبحت يوم غد و كتب الله لها يوما جديدا ثم تنغمس في تخيل الجنة و الجحيم و تتخيل من سيحزن من بعدها و من لن يهتم للامر و تفكر حتى بتوزيع ممتلكاتها البسيطة فالسرير مثلا سيكون لأخيها الصغير و الملابس لابنة خالتها و ادواتها المدرسية لبعض اصدقائها و هكذا كانت توزع تركتها كل ليلة فاذا غضبت من شخص ما حرمته اياها فان رضيت ارجعتها له و قد تزيد عليها أو تنقص .
كان هذا يحدث معها كل ليلة
كانت الطبيبة قد وصفت لها دواءا مختلفا و مجموعة حقن كان يفترض بها اخذها مرة خلال كل واحد و عشرين يوما لكنها كانت اشد ما تخاف من وخز الحقن فاخذت بعضها مكرهة و لجأت الى حيلة بسيطة بعد ذلك بالتخلص منها في اي زاوية شارع و تعود الى امها متظاهرة بالالم و عدم القدرة على السير باعتدال و انطلت خدعتها على الكل و مضت السنوات دون تلقي العلاج وفي انتظار الموت المحتم.
صارت أمل في الخامس عشرة … كانت تشاهد التلفاز مع اخوتها و اذا باكبرهم يدخل عليهم الغرفة و يدفعهم دفعا الى خارج البيت … تسبب باضرام حريق غير متعمد في الغرفة المجاورة حيث كان يحاول اصلاح دراجته النارية فانفجر المحرك و اندلعت نار مهولة …صارت الام تصرخ و تولول :ابني احرقني .
لم يفهم الناس منها شيئا و هي تبدو سليمة معافاة ،و فرالأخ هاربا من هول الصدمة و لم تجد أمل نفسها الا و هي تخترق النيران و تدخل بقلب الغرفة محل الحريق و حاولت اطفاء النار ببعض الماء … تبعها اخوها الصغير و تداولا تباعا محاولين اخماد النار حتى امتلأت رئتا أمل دخانا او كادت فجثت على ركبتيها للحظة و بدأت تراقب تسارع الاحداث و أيقنت أن ساعتها حانت و ان هي الا ثوان حتى تدخل الجيران و اطفؤوا النار بالكامل
تفاجأت أمل من جرأتها على التصدي للنار و ادركت لحظتها ان حياتها لم تعد تساوي عندها شيئا و انها صارت مستعدة للموت في اية لحظة و قبل الموعد الذي حدده الاطباء ثم نظرت الى وجه أخيها الصغير و قد كساه سواد الدخان فصار يبدو كالزنوج رغم شقاره و انفجرا في سلسلة من الضحك القوي و الناس حولهم حائرون و لعلهم ظنوا انها وقع الصدمة عليهما.
في الرابعة و العشرين لم يكن من المفترض لأمل أن تعيش لأكثر من سنة فقررت فيها تجديد التحاليل الطبية لمعرفة درجة تطور المرض معها و كم تبقى لها لتحياه
انجزت تحليلا اوليا ثم اعادته ليؤكد لها أكثر من طبيب انها لا تعاني من اي مرض و انه لا شك من خطأ في التشخيص السابق .
تجاوزت أمل سن الأربعين و لا تزال فكرة الموت و ظلام القبر و الديدان والجزاء او العقاب تؤرق جزءا من ليلها و بعضا من ايامها .
- عالم القصص
- عضو مجمّد
- مشاركات: 320
- اشترك في: 04 سبتمبر 2021, 12:36
Re: قاهر اللذات...من أرشيف جويدة
رائعة جديدة من روائعك استاذتي الفاضلة جويدة، بل كانت هذه القصة الرائعة بالنسبة لي من أفضل ما كتبتي حتى الآن
أضحكني مشهد الدود على نواة الخوخ وردة فعل الطفلة أمل (وصف مرح ونص يجسد معنى الكاتب المصوّر)
تعاملت امل مع الحياة والموت كما يتعين على اي انسان التعامل مع هذا الموضوع فالحياة نعيشها والموت ممكن يطرق بابه في اي لحظة
من حسن الحظ ان امل قامت بالقاء الادوية وهي لم تكن تشكو من علة اساسا ربما هذا انقذها من الموت الذي تنتظره؛ سبحان الله
قصة جميلة كاتبتنا المتألقة جويدة، نسجتي حبكتها بلغة أنيقة وجميلة فسلمت يداكي ^^
لك أصدق تحياتي وتقديري
أضحكني مشهد الدود على نواة الخوخ وردة فعل الطفلة أمل (وصف مرح ونص يجسد معنى الكاتب المصوّر)
تعاملت امل مع الحياة والموت كما يتعين على اي انسان التعامل مع هذا الموضوع فالحياة نعيشها والموت ممكن يطرق بابه في اي لحظة
من حسن الحظ ان امل قامت بالقاء الادوية وهي لم تكن تشكو من علة اساسا ربما هذا انقذها من الموت الذي تنتظره؛ سبحان الله
قصة جميلة كاتبتنا المتألقة جويدة، نسجتي حبكتها بلغة أنيقة وجميلة فسلمت يداكي ^^
لك أصدق تحياتي وتقديري
- منيرة
- مشرف عام
- مشاركات: 8560
- اشترك في: 28 إبريل 2021, 03:36
- مكان: الجزائر
- جويدة
- عضو وفيّ للمنتجع
- مشاركات: 798
- اشترك في: 28 إبريل 2021, 11:28
Re: قاهر اللذات...من أرشيف جويدة
لعل فكرة الموت حين تتحرك بعقل الصغير تصبح أمرا عاديا ليس فيه ما يفزع بقدر ما يعلم محاسبة النفس ...و هو ما يجعل الشخص مختلفا و ربما عاقلا و ناضجا أكثر من أقرانهعالم القصص@ كتب: ↑25 سبتمبر 2021, 19:02 رائعة جديدة من روائعك استاذتي الفاضلة جويدة، بل كانت هذه القصة الرائعة بالنسبة لي من أفضل ما كتبتي حتى الآن
أضحكني مشهد الدود على نواة الخوخ وردة فعل الطفلة أمل (وصف مرح ونص يجسد معنى الكاتب المصوّر)
تعاملت امل مع الحياة والموت كما يتعين على اي انسان التعامل مع هذا الموضوع فالحياة نعيشها والموت ممكن يطرق بابه في اي لحظة
من حسن الحظ ان امل قامت بالقاء الادوية وهي لم تكن تشكو من علة اساسا ربما هذا انقذها من الموت الذي تنتظره؛ سبحان الله
قصة جميلة كاتبتنا المتألقة جويدة، نسجتي حبكتها بلغة أنيقة وجميلة فسلمت يداكي ^^
لك أصدق تحياتي وتقديري
سلمت يا أخي و دمت
- منيرة
- مشرف عام
- مشاركات: 8560
- اشترك في: 28 إبريل 2021, 03:36
- مكان: الجزائر
- منيرة
- مشرف عام
- مشاركات: 8560
- اشترك في: 28 إبريل 2021, 03:36
- مكان: الجزائر