مراجعة كتاب (أدباء من العالم) - رفعت خالد
مرسل: 10 سبتمبر 2021, 16:02
هذه صورة قريبة جدا لكتاب السير الشخصية لمشاهير الأدباء، الذي كنتُ أمنّي النفس بقراءته منذ زمن ليس بالهيّن !.. كنتُ أحاول أن أفهم كيف جمعوا بين مصائب الحياة ولحظات الإبداع ؟ كيف قرنوا الألم بالأمل في تحقيق ما لم يُحققه أكثر البشر ؟ كيف منعوا المرض من إطفاء جذوة العبقرية المشتعلة بداخلهم ؟ ثم ذلك السؤال المخيف الذي يظل معلقا دائما أبدا: هل تكون هذه المصائب غير المعتادة السبب المباشر لنبوغهم أصلا ؟.. لا تدري أبدا.
وبغض النظر عن عقائد هؤلاء الكتّاب والشعراء - الخاطئة في الغالب الأعمّ - وبغض النظر عن الانحراف الخُلقي الحاد لبعضهم، حاولتُ تأمّل الجانب الإنساني والنفسي منهم فحسب..لأواصل طرح تساؤلاتي: أليس من العجيب أن التاريخ لم يحفظ إسما واحدا من ملايين الدكاترة والأكاديميين في اللغات واللسانيات الذين تعجّ بهم الجامعات، وحفظ اسم شاب فقير مضطرب نفسانيا، طُرد من جامعته وأسرته بالتبني وكلّ المكاتب التي حاول العمل بها !؟.. ولكن التاريخ يحفظ اسمه رائدا لمدرسة أدبية قائمة بذاتها، لازالت تُدرّس إلى يومنا هذا منذ ما يفوق القرن من الزمان.. وهو الشاب الأمريكي التعس (إدغار آلان بو) ! أين المنطق هنا ؟.. لا منطق.
وأين المنطق في كون شاب يافع منحرف متمرد ومتشرد، لم يجاوز سنه السابع عشر بعد، ولكنه يكتب قصائد تعدّ من أعجب وأعمق ما في الشعر الفرنسي !.. ثم إذا به يسخر من شعره وشعراء عصره ويسبهم في صالوناتهم ويترك - فجأة - الكتابة والوطن وكل شيء بعدُ، ليبقى النقاد الأكاديميون المتأنقون حيارى أمام هذه القصائد البديعة التي ترك !.. لا منطق.
هذا المزيج الساحر بين المأساة الشخصية والعبقرية الأدبية الخارقة لا أشبع من قراءته وتأمله، لأنه يحطم كل غرور بشري، وكل قانون متحذلق يحاول الأكاديميون تثبيته.. إنه أشبه ما يكون بالمعجزات والاستثناءات التي تكسر القواعد.. إنه لغز العقل البشري الذي يحيل مباشرة لعظمة خالقه اللامتناهية.
هذا ما وجدته في كتاب (أدباء من العالم)، مع العرض المذهل لكل شخصية من خلال حوارات متخيلة، ومشاهد مبنية على وقائع وقعت فعلا في حيواتهم، حتى لكأنك تشاهد فلما وثائقيا تمثيليا لحياة كل كاتب منهم، فترى المآسي العجيبة والقرارات المتهورة والتناقضات الصّارخة والنهايات المفجعة..
إنها مشاهد تلهب قلب القارئ ووجدانه، لاسيما الذي يحمل بذرة الكاتب بداخله..