شهر الرحمة
مرسل: 01 سبتمبر 2021, 19:13
شهر الرحمة
كنا صغارا جدا حين كنا نسمع عن قدوم شهر رمضان الكريم ،و الذي كان اغلبنا يسميه شهر رمضان المعظم، فنخشاه كخشية الموت من مجرد تسميته بالمعظم ،و في اذهاننا انه من شدة الجوع، سيذوب الشحم ،و يختفي منا اللحم، فنصير جلدا على عظم ،و من هنا جاءت تسميته بالمعظم
كم كنت سخيفة جدا حين لم أحاول مجاراة صديقاتي بالتدرب على الصوم و انا في نعومة الاظافر، ذلك أنني جبنت فتأخرت عن ادراك قيمة تلك الشعيرة و لذتها ، الى ان وصلت سن البلوغ ،فقد أبرر ذلك أنني كنت أصغر إخوتي، أهيم في الشوارع طول النهار كالصبيان، و لا أبالي بشيء، و أهلي عني غافلون، لا يرون في إلا الطفلة الصغيرة التي يرغبون
كنت فتاة تشتهي الطعام، و لم أختبر احساس الجوع و العطش ،و في لحظة الافطار كان يعتريني شعور غامر بالندم، بالحسرة بالغيرة ، فأقسو على نفسي أيما قسوة حين أرى الكل سعيد بصيامه و افطاره .
كان السر الغامض الذي حيرني في تلك السنين هو السحور
لم أكن أعرف ما هو ؟ و كنت أظنه- حتى بدأت الصوم -نوع من الطقوس أو سحر يجتمع عليه الكبار كل ليلة، و لا أدري ما هو و كيف هو و لما هو ؟ماذا يفعلون ، و ما يقولون ؟ و كان بودي اكتشاف حقيقته و تبينها بنفسي و لكن النعاس كل ليلة لم يسهل علي الامر و نومي الثقيل زاد من تعقيد الامور
كان أخي الأكبر يقول ان السحور مائدة تنزل عليهم من السماء بأنواع لا تعد و لاتحصى من الطعام ،مما لم تر عين و لم تسمع أذن ،و لا خطر على قلب بشر، لكني لم أصدقه ، رغم سذاجتي ، فبعض الامور لا تعقل حتى لدى الولدان
كنت أحاول كل ليلة البقاء متيقظة أعس أهلي ،وأرقب أوان هذا السحورالذي حيرني و أرقني، لأرى ما سيصنعون فيه لكن ،سرعان ما يغلبني النعاس في كل مرة ، فاغفو و لا أصحو حتى صبيحة اليوم التالي ،و أجهد نفسي في سؤالهم عما حدث في سحور ليلة امس ،ثم يدركني اليأس من استجداء لا رجاء معه ،و هم كمن وجد متعة في جهلي و الحاحي ، لا
يجيبون إلا بابتسامة ساخرة ،ماكرة و لا ينطقون بشيء
في يوم ، نزلت الرحمة بقلب أمي حين رأت جهادي في تقصي الحقيقة ، و حلفت يمينا انها ستوقضني لارى السحور بنفسي و اتذوق مما تجود عليه بنا طاولة اخي المعرجة من السماء ، و كنت يومها في غبطة شديدة قهرت كل أخوتي ، لانها ستحرمهم لذة مشاهدة عيني الحائرتين دوما ، و مضى اليوم سعيدا سريعا و حل الصباح يشعشع بنوره و قفزت من فراشي مزمجرة و دموعي على خدي أن اخلفت امي وعدها و لم توقظني و و اشفت غليل اخوتي بي ، فاقسمت يمينا مغلظة أنها أيقظتني و شاركتهم طقوسهم كلها و عدت للنوم و شهد على ذلك كل اخوتي ممن اعرف صدقهم و اثق بمقالتهم ،فعرفت اني كنت كمن يمشي في نومه ، لم اعقل من حركاتي و لا سكناتي شيئا.
شعرت حينها بالذنب يقتلني حين شككت بأمي و اتهمتها بخيانتي و اصريت انها خدعتني و رحت احقق من خلف ظهرها مع اخوتي و كانها اجرمت بحقي الجريمة العظمى
جلست في الركن وحدي افكر ، هل استحق حقا أن اجلس على طاولة السحور و انا غير اهل له ؟ هل يستحق الامر كل هذا العناء ؟ فكيف اذا اكون مستحقة لشرف حضوره و عيش مراسيمه كأي من افراد أسرتي ؟
كان الجواب أمامي طول الوقت …لكي اتسحر يجب أن اعتزم الصيام
كان الموضوع يحتوي الف عقبة و عقبة أمامي ؟ ربما ساجوع فتخور قواي و يغمى علي كما حصل لاابنة خالتي سارة منذ ايام ، و ربما اعطش فيجف جلدي فيصبح كالتمساح او كالعجائر، و ربما تلتصق أمعائي بعضها ببعض من فرط الخواء فأمرض مرضا مزمنا ،و اصبح شبيهة لاطفال اثيوبيا
كانت الافكار البغيضة تتسلل الى عقلي بشكل سريع بغيض ،، فاقلعت عن الفكرة بالاساس ، ثم نظرت لوجه أمي الحزين ، و فكرت بوسيلة ترضيها عني و تنسيها سوء صنيعي لاعود طفلتها الحبيبة من جديد و اكون جديرة بالافكار بين اخوتي مرفوعة القامة .
سوف اصوم يوم غد يا امي –
اعلنتها جملة سريعة ربما دون تفكير و ترو ، و لعلي شعرت بالندم على اعقابها ، و لكنني حين رأيت انفراج اسارير أمي انفتح قلبي كالوردة ، وحين رايت سخرية أخوتي مني عزمت على رفع التحدي و لو بلغ الجهد مني كل مبلغ.
ايقظتني امي ليلتها كاول فرد ، و اجبرتني على غسل وجهي مرارا و تكرارا بالماء البارد حتى أعي ما حولي ، ثم اجلستني على المائدة و انا بشوق لاعرف ما سيقدم لنا ، و اذ به ارز أمي بالحليب .
اكلنا و شربنا و انا مغتاظة كل الغيض من أخي و أنا اراه يسترق النظر الي في استحياء ، ثم اوينا الى فراشنا .
لم يكن اول ايام صومي صعبا ، لم اجع و لم اعطش بشدة ، و ربما شعرت ببعض العياء ، و لكن لم يكن الامر كما توقعت أبدا .
كانت امي سعيدة بصيامي الاول ، و ان لم يكن جادا في كل الايام ، فقد حدث و عدلت عن الصيام لاجل تذوق حبة حلوى او رشفة ماء…الهي كم كنت سخيفة!
حين وصلت سن البلوغ ، و ادركت انني ساعاقب حرقا بنار جهنم ان ارتكبت ما يخل بصيامي ، استقمت و صمت كما
ينبغي لأي مسلم بالغ ، بل و احببت الشهر كله، و وددت لو طال الدهر بأسره…فحين تعلم سر شهر رمضان المعظم ،و نفعه و اجره، لا يمكنك الا ان تقدر كل يوم يمضي منه تقديرك للنفائس، و لن تزيد حينها الا حبا في خالقك و سعادة كونك الاوفر حظا ،لانك ببساطة ،و بدون أن تسأل، رزقت نعمة الاسلام ،و أحد اركانه الصيام
كنا صغارا جدا حين كنا نسمع عن قدوم شهر رمضان الكريم ،و الذي كان اغلبنا يسميه شهر رمضان المعظم، فنخشاه كخشية الموت من مجرد تسميته بالمعظم ،و في اذهاننا انه من شدة الجوع، سيذوب الشحم ،و يختفي منا اللحم، فنصير جلدا على عظم ،و من هنا جاءت تسميته بالمعظم
كم كنت سخيفة جدا حين لم أحاول مجاراة صديقاتي بالتدرب على الصوم و انا في نعومة الاظافر، ذلك أنني جبنت فتأخرت عن ادراك قيمة تلك الشعيرة و لذتها ، الى ان وصلت سن البلوغ ،فقد أبرر ذلك أنني كنت أصغر إخوتي، أهيم في الشوارع طول النهار كالصبيان، و لا أبالي بشيء، و أهلي عني غافلون، لا يرون في إلا الطفلة الصغيرة التي يرغبون
كنت فتاة تشتهي الطعام، و لم أختبر احساس الجوع و العطش ،و في لحظة الافطار كان يعتريني شعور غامر بالندم، بالحسرة بالغيرة ، فأقسو على نفسي أيما قسوة حين أرى الكل سعيد بصيامه و افطاره .
كان السر الغامض الذي حيرني في تلك السنين هو السحور
لم أكن أعرف ما هو ؟ و كنت أظنه- حتى بدأت الصوم -نوع من الطقوس أو سحر يجتمع عليه الكبار كل ليلة، و لا أدري ما هو و كيف هو و لما هو ؟ماذا يفعلون ، و ما يقولون ؟ و كان بودي اكتشاف حقيقته و تبينها بنفسي و لكن النعاس كل ليلة لم يسهل علي الامر و نومي الثقيل زاد من تعقيد الامور
كان أخي الأكبر يقول ان السحور مائدة تنزل عليهم من السماء بأنواع لا تعد و لاتحصى من الطعام ،مما لم تر عين و لم تسمع أذن ،و لا خطر على قلب بشر، لكني لم أصدقه ، رغم سذاجتي ، فبعض الامور لا تعقل حتى لدى الولدان
كنت أحاول كل ليلة البقاء متيقظة أعس أهلي ،وأرقب أوان هذا السحورالذي حيرني و أرقني، لأرى ما سيصنعون فيه لكن ،سرعان ما يغلبني النعاس في كل مرة ، فاغفو و لا أصحو حتى صبيحة اليوم التالي ،و أجهد نفسي في سؤالهم عما حدث في سحور ليلة امس ،ثم يدركني اليأس من استجداء لا رجاء معه ،و هم كمن وجد متعة في جهلي و الحاحي ، لا
يجيبون إلا بابتسامة ساخرة ،ماكرة و لا ينطقون بشيء
في يوم ، نزلت الرحمة بقلب أمي حين رأت جهادي في تقصي الحقيقة ، و حلفت يمينا انها ستوقضني لارى السحور بنفسي و اتذوق مما تجود عليه بنا طاولة اخي المعرجة من السماء ، و كنت يومها في غبطة شديدة قهرت كل أخوتي ، لانها ستحرمهم لذة مشاهدة عيني الحائرتين دوما ، و مضى اليوم سعيدا سريعا و حل الصباح يشعشع بنوره و قفزت من فراشي مزمجرة و دموعي على خدي أن اخلفت امي وعدها و لم توقظني و و اشفت غليل اخوتي بي ، فاقسمت يمينا مغلظة أنها أيقظتني و شاركتهم طقوسهم كلها و عدت للنوم و شهد على ذلك كل اخوتي ممن اعرف صدقهم و اثق بمقالتهم ،فعرفت اني كنت كمن يمشي في نومه ، لم اعقل من حركاتي و لا سكناتي شيئا.
شعرت حينها بالذنب يقتلني حين شككت بأمي و اتهمتها بخيانتي و اصريت انها خدعتني و رحت احقق من خلف ظهرها مع اخوتي و كانها اجرمت بحقي الجريمة العظمى
جلست في الركن وحدي افكر ، هل استحق حقا أن اجلس على طاولة السحور و انا غير اهل له ؟ هل يستحق الامر كل هذا العناء ؟ فكيف اذا اكون مستحقة لشرف حضوره و عيش مراسيمه كأي من افراد أسرتي ؟
كان الجواب أمامي طول الوقت …لكي اتسحر يجب أن اعتزم الصيام
كان الموضوع يحتوي الف عقبة و عقبة أمامي ؟ ربما ساجوع فتخور قواي و يغمى علي كما حصل لاابنة خالتي سارة منذ ايام ، و ربما اعطش فيجف جلدي فيصبح كالتمساح او كالعجائر، و ربما تلتصق أمعائي بعضها ببعض من فرط الخواء فأمرض مرضا مزمنا ،و اصبح شبيهة لاطفال اثيوبيا
كانت الافكار البغيضة تتسلل الى عقلي بشكل سريع بغيض ،، فاقلعت عن الفكرة بالاساس ، ثم نظرت لوجه أمي الحزين ، و فكرت بوسيلة ترضيها عني و تنسيها سوء صنيعي لاعود طفلتها الحبيبة من جديد و اكون جديرة بالافكار بين اخوتي مرفوعة القامة .
سوف اصوم يوم غد يا امي –
اعلنتها جملة سريعة ربما دون تفكير و ترو ، و لعلي شعرت بالندم على اعقابها ، و لكنني حين رأيت انفراج اسارير أمي انفتح قلبي كالوردة ، وحين رايت سخرية أخوتي مني عزمت على رفع التحدي و لو بلغ الجهد مني كل مبلغ.
ايقظتني امي ليلتها كاول فرد ، و اجبرتني على غسل وجهي مرارا و تكرارا بالماء البارد حتى أعي ما حولي ، ثم اجلستني على المائدة و انا بشوق لاعرف ما سيقدم لنا ، و اذ به ارز أمي بالحليب .
اكلنا و شربنا و انا مغتاظة كل الغيض من أخي و أنا اراه يسترق النظر الي في استحياء ، ثم اوينا الى فراشنا .
لم يكن اول ايام صومي صعبا ، لم اجع و لم اعطش بشدة ، و ربما شعرت ببعض العياء ، و لكن لم يكن الامر كما توقعت أبدا .
كانت امي سعيدة بصيامي الاول ، و ان لم يكن جادا في كل الايام ، فقد حدث و عدلت عن الصيام لاجل تذوق حبة حلوى او رشفة ماء…الهي كم كنت سخيفة!
حين وصلت سن البلوغ ، و ادركت انني ساعاقب حرقا بنار جهنم ان ارتكبت ما يخل بصيامي ، استقمت و صمت كما
ينبغي لأي مسلم بالغ ، بل و احببت الشهر كله، و وددت لو طال الدهر بأسره…فحين تعلم سر شهر رمضان المعظم ،و نفعه و اجره، لا يمكنك الا ان تقدر كل يوم يمضي منه تقديرك للنفائس، و لن تزيد حينها الا حبا في خالقك و سعادة كونك الاوفر حظا ،لانك ببساطة ،و بدون أن تسأل، رزقت نعمة الاسلام ،و أحد اركانه الصيام