صفحة 1 من 1

المغفلة - تشيخوف

مرسل: 09 يوليو 2021, 00:27
بواسطة سلمى
منذ أيام دعوتُ الى غرفة مكتبي مربّية اولادي يوليا فاسيليفنا لكي أدفع لها حسابها

قلت لها: اجلسي يايوليا.. هيّا نتحاسب.. أنتِ في الغالب بحاجة إلى النقود، ولكنك خجولة إلى درجة انك لن تطلبينها بنفسك.. حسنا.. لقد اتفقنا على أن أدفع لك ثلاثين روبلاً في الشهر.

قالت: أربعين..
قلت: كلا، ثلاثين.. هذا مسجل عندي.. كنت دائما أدفع للمربيات ثلاثين روبلاً..

حسناً، لقد عملت لدينا شهرين.
قالت: شهرين وخمسة أيام.
قلت: شهرين بالضبط.. هكذا مسجل عندي.. إذن تستحقين ستين روبلاً.. نخصم منها تسعة أيام آحاد.. فأنت لم تعلّمي كوليا في أيام الآحاد بل كنت تتنزهين معه فقط.. ثم ثلاثة أيام أعياد.

تضرج وجه يوليا فاسيليفنا، وعبثت اصابعها باهداب الفستان ولكن.. لم تنبس بكلمة

واصلتُ: نخصم ثلاثة أعياد، اذن المجموع اثنا عشر روبلا.. وكان كوليا مريضاً اربعة ايام ولم تكن دروس.. كنت تدرسين لفاريا فقط.. وثلاثة أيام كانت أسنانك تؤلمك فسمحتْ لك زوجتي بعدم التدريس بعد الغداء.. اذن اثنا عشر زائد سبعة.. تسعة عشر.. نخصم، الباقي ..هم.. واحد واربعون روبلا.. مضبوط؟

احمرّت عين يوليا فاسيليفنا اليسرى وامتلئت بالدمع، وارتعش ذقنها.. وسعلت بعصبية وتمخطت، ولكن.. لم تنبس بكلمة

قلت: قبيل رأس السنة كسرتِ فنجانا وطبقا.. نخصم روبلين.. الفنجان أغلى من ذلك، فهو موروث، ولكن فليسامحك الله! علينا العوض.. وبسبب تقصيرك تسلق كوليا الشجرة ومزق سترته.. نخصم عشرة.. وبسبب تقصيرك ايضا سرقتْ الخادمة من فاريا حذاء.. ومن واجبك ان ترعي كل شئ، فأنتِ تتقاضين مرتباً.. وهكذا نخصم ايضا خمسة.. وفي 10 يناير اخذت مني عشرة روبلات

همست يوليا فاسيليفنا: لم آخذ
قلت: ولكن ذلك مسجل عندي
قالت: حسناً، ليكن

واصلتُ: من واحد واربعين نخصم سبعة وعشرين.. الباقي اربعة عشر
امتلأت عيناها الاثنتان بالدموع.. وظهرت حبات العرق على انفها الطويل الجميل.. ياللفتاة المسكينة
قالت بصوت متهدج: أخذتُ مرة واحدة.. أخذت من حرمكم ثلاثة روبلات.. لم آخذ غيرها

قلت: حقا؟ انظري، وانا لم اسجل ذلك! نخصم من الاربعة عشر ثلاثة، الباقي احد عشر.. ها هي نقودك يا عزيزتي! ثلاثة.. ثلاثة.. ثلاثة.. واحد، واحد.. تفضلي

ومددت لها احد عشر روبلا.. فتناولتها ووضعتها في جيبها بأصابع مرتعشة.. وهمست: شكراً

انتفضتُ واقفا واخذتُ أروح واجئ في الغرفة واستولى عليّ الغضب
سألتها: شكراً على ماذا؟
قالت: على النقود

قلت: يا للشيطان، ولكني نهبتك، سلبتك! لقد سرقت منك! فعلام تقولين شكراً؟
قالت: في أماكن أخرى لم يعطوني شيئا..

قلت: لم يعطوكِ؟! ليس هذا غريبا! لقد مزحتُ معك، لقنتك درسا قاسيا..

سأعطيك نقودك، الثمانين روبلا كلها! هاهي في المظروف جهزتها لكِ! ولكن هل يمكن ان تكوني عاجزة الى هذه الدرجة؟ لماذا لا تحتجين؟ لماذا تسكتين؟ هل يمكن في هذه الدنيا ألاّ تكوني حادة الانياب؟ هل يمكن ان تكوني مغفلة الى هذه الدرجة؟

ابتسمتْ بعجز فقرأت على وجهها: يمكن
سألتُها الصفح عن هذا الدرس القاسي وسلمتها، بدهشتها البالغة، الثمانين روبلا كلها.. فشكرتني بخجل وخرجت.

تطلعتُ في أثرها وفكّرتُ : ما أبشع أن تكون ضعيفاً في هذه الدنيا .
وابشع منه أن يوجد فاجرا لايقدر ذلك
بالفعل ما أبشعنا.

وما اذلنا اذا استسلمنا لمن يسرقون حقوقنا
ويجعلونا نعيش على الفتات أو نموت جوعا

في هذه الحاله نستحق ذلك

▪︎انطون شيخوف

Re: منقولة لأنطوان شيخوف

مرسل: 12 يوليو 2021, 20:56
بواسطة منيرة
غيري الخط سلمى ههههه
لا تظهر القصة إلا حين يتم تحديدها .
...
من أقسى القصص القصيرة لانطوان تشيخوف
المغفلة .
احسنت بنقلها سلمى

Re: منقولة لأنطوان شيخوف

مرسل: 12 يوليو 2021, 21:44
بواسطة سلمى
منيرة كتب: 12 يوليو 2021, 20:56 غيري الخط سلمى ههههه
لا تظهر القصة إلا حين يتم تحديدها .
...
من أقسى القصص القصيرة لانطوان تشيخوف
المغفلة .
احسنت بنقلها سلمى
هههه يوم نقلتها كان المنتدى اسودا لذلك اخترت لونا فاتحا
لم أنتبه له بعدها
شكرا منيرة ^^

Re: منقولة لأنطوان شيخوف

مرسل: 13 يوليو 2021, 04:13
بواسطة خالد الحمصي
نقل مميز أخت سلمى ...
عندما يحكم الظلم يصبح الضعف والاستسلام هو السائد إلا ما رحم ربي
وعندما يحكم العدل - وهذا لم يحصل إلا في فترات محددة جدا على مر التاريخ - تسود الثقة بالنفس

Re: منقولة لأنطوان شيخوف

مرسل: 13 يوليو 2021, 09:02
بواسطة سلمى
خالد الحمصي كتب: 13 يوليو 2021, 04:13 نقل مميز أخت سلمى ...
عندما يحكم الظلم يصبح الضعف والاستسلام هو السائد إلا ما رحم ربي
وعندما يحكم العدل - وهذا لم يحصل إلا في فترات محددة جدا على مر التاريخ - تسود الثقة بالنفس
مرحبا أخي خالد
نعم صدقت .
حتى القوي يتقوى بضعف الضعيف.
في أوضاعنا الحالية، كثيرون يستغلون مناصبهم إذا رأوا ضعفا واهتزازا ممن هم تحت إمرتهم، فيستمرون في إذلالهم، والعكس يحصل أيضا.

شكرا لك .

Re: منقولة لأنطوان شيخوف

مرسل: 22 أغسطس 2022, 14:04
بواسطة خالد
المغفلة.. قصة بسيطة جدا وعميقة في نفس الآن، بشكل يصعب وصفه.. لقد شارفت على إنهاء المجلد الأول من الأعمال المختارة لتشيخوف، وقد طبعت في أربعة مجلدات.. يضم الأول القصص القصيرة، والثاني الروايات القصيرة، والثالث فيه أربع روايات، والمجلد الرابع مخصص للمسرحيات.. وهو أقلها جودة حسب بعض الآراء.

ولعلي أنشر هنا في قسم المنقولات أبدع ما قرأت من قصص المجلد الأول..

Re: المغفلة - تشيخوف

مرسل: 24 أغسطس 2022, 14:01
بواسطة حمزة إزمار
يا لها من قصة، حبكة قوية!!