- هيا اشرب هذه القهوة يا حبيبي، ستُعجبك.. صدّقني، جرّب !
قالها صاحبي سمير – أو سمسم كما تناديه أمه – وهو يصبّ لي ما فضل بفنجانه من القهوة، مداعبا فروي الأسود النّاعم، وابتسامته الواسعة تكاد تصل إلى أذنيه !
ماذا أفعل حتى يفهم هذا الأحمق أنّي مجرّد قطّ عادي ؟ لماذا يظن أنّي مميّز وأستطيع ما لا تستطيعه غيري من القطط ؟.. أعطني حليبا يا أخي، سبحان الله !
حملني فجأة وضمّني إليه بعنف كعادته، ثم مضى بي خارج البيت وأنا أتململ بين ذراعيه منزعجا..
نحن معشر القطط نعرف عن البشر أكثر مما يظنّون.. هذا الصديق الذي وقف سمير يُسلّم عليه مثلا، لا أفهم ما يقولونه بالضبط، ولكن ألا يُلاحظ سمير ذبذات صوته ؟ ألم يحسّ أنها غير مريحة البتة ؟.. إنها تذكرني بطريقة مواء القط الذي يبغي شرّا بصاحبه !
وهذه الدرّاجة التي تفاداها بمسافة خطيرة قبل قليل – معرضا حياتي للخطر تبا له – ألم يحسّ باهتزاز الأرض دقائق قبل بروزها ؟..
آسف يا عزيزي (سمسم)، لكنك أحمق فعلا !
* * *
مرّ بي صاحبي العبقري قرب مطعم (ماكدونالد) الذي شممت رائحته قبل ساعة تقريبا وتوجّعتُ كثيرا بين ذراعيه من الجوع، لكنه لم يفهم ما بي، وظلّ يهدئني كأني رضيع لا يدري شيئا !
توقّف منبهرا وهو يرمق الناس من وراء زجاج المطعم، وحدانا وعائلات، يلتهمون ما لذّ وطاب من تلك الأشياء الشهية المدوّرة.. تجمدت أمام المنظر بدوري وكل شعيرات جسمي متحفزّة ! يا سلام !.. أرجوك ابتع شيئا أو اذهب بي لصندوق القمامة على الأقل، سأموت إن لم آكل هذا اللحم.
سمسم.. أرجوك، تقدّم للأمام أنت لست شجرة.. سمسم ؟
رفعتُ رأسي واستجمعتُ كل مهارات القطط في إظهار البراءة، ونظرت بعينين واسعتين قائلا بعذوبة وبأفصح ما أستطيع:
- مياااو..
- ماذا ؟
- ميااااو..
- هل اشتهيتَ الطعام ؟
- مياااااااو..
- آسف يا صاحبي، لا أملك الآن ما يكفي.. فلنذهب.
- مياااو.. مياااو.. مممع..
كان هذا الأخير سبابا فاحشا، لكنه لا يفقه قولي لحسن حظه!
* * *
استيقظتُ في اليوم التالي على صوت كلب ينبح، وهو أشنع الأصوات عندنا بالمناسبة.. ثم تمطّطتُ بدلع وأنا ألعن الكلب في نفسي، ورجعت أستلقي حتى ألعق ظهري وهي عادة محببة للقطط عند الاستيقاظ.. ولا دخل لأحد بعاداتنا !
أين سمير بالمناسبة ؟.. ناديت بصوت حاد عال:
- ميااااو.. مياااو.
لا جواب !.. أحتاج طعاما تبا، ماذا يظنني هذا الأحمق، دمية من دماه السخيفة هذه ؟
قصدتُ دمية ديناصور أخضر ملقاة بجانبي، وعضضتُ رأسها ثم طوحتها بعيدا مُغضبا !
كان باب الغرفة مواربا فاجتزته بخطى رشيقة، ثم عبرتُ الرواق باتجاه باب المدخل الذي كان مشرعا بالكامل..
انعكس ضوء الشمس الذي يملأ العتبة المرمرية على عيني الخضراوين فضيّقتهما منزعجا..
المنظر بالخارج هادئ، مع أن كلب الجيران لازال ينبح بعصبية غير مفهومة، إلا أني أعلم أنه وراء سور الحديقة العالي، فلينبح كما يشاء حتى تأخذه سكتة قلبية تريحني منه !
تقدّمتُ بهدوء وسط الحشيش الأخضر المبلّل ملتفتا حولي. ليثير شيء أسود انتباهي..
لم أميّزه في بادئ الأمر، لكني واصلتُ التقدّم خطوة خطوة ناحية الجسم الممدّد بجانب صندوق النفايات..
بدأت أشمّ رائحة سمسم التي أعرفها كما أعرف رائحة أمي أو أشدّ معرفة ! ثم تناهت لسمعي المرهف ضوضاء قريبة، وصراخ رهيب !
وفجأة فهمتُ كلّ شيء !..
إن الجسم الأسود الذي أمامي الآن منامة سمسم السوداء، رماها بإهمال كعادته وذهب يسبح في حوض الماء الكبير، محدثا جلبة وصراخا.. هذا الطفل الأحمق اللّعوب !
نظرتُ ناحية الحوض باشمزاز وعُدت أدراجي للغرفة لأفعل شيئا مفيدا.. لعق نفسي مثلا !
تمّت
خالد.
17.06.2021
