خنادقُنا معابرٌ للنُّور -فراشة (مس. ما خفي أجمل 4)
مرسل: 11 فبراير 2024, 14:11
فوق الأرض...
هنا بقايا مدينةٍ شامخة، غاباتٌ بلا ظِل.أفقٌ مُلبَّدٌ خَلَع لونَه الأزرق السماويّ واكتسى الرماديَّ في رمشة عين...
قوافلٌ بشريّة تَرحل قسرا، تتقدّم الجُموع خطوةً واحدة بأقدام مُثقَلة، ثم تتوقف ملتفتةً للدّيار واعدةً إيّاها بالعودة مهما صار ..
الخِيامُ صامدة تقاوم الشتاء والرياح...
طفلٌ صغير تائه يشرب ماء المطر بكفّيه الضّامِرتيْن، ينهض، يمسح يديه، ويَمضي...
مراهقان يتمشّيان وسط الوحل. يحمل أحدهما كيسا على ظهره، يتّكئ على صديقه، يخبره سرّا ما، ثم يبتسم رغم كل شيء!
شابٌ نحيل أعزل، اقتنصه همجيّ لا يرحم.. لكنه ظلّ يحاول...يقُوم، يسقط، يقُوم، ثم يَسْجد، ليموت"كبيرا"، ويصبح رمزا من رموز الحكاية...
رجلٌ خرج باحثا عن طعام لعائلته، لكنه وجد نفسه طعما لرصاصٍ أعمى جائع؛ لتصبح صورته ‐ممدّدا بجانب دراجته، وقططٌ تحوم حوله‐ شاهدًا من شواهد فضاعة الحرب...خرجَ حيًّا- ولا أحد يعرفه- يطلب بعضا من الرّزق، فصار جثة وخبرًا عاجلاً على الشاشات والورق!
هنا شعبٌ عليه أن يُعذَّب ويموت حتى يسمع به العالم..!
بنتٌ بعينيْن دمويّتين بريئتين، وأمنيةٍ محبوسة بألاّ تفقد بصرها!
أمٌّ تركض مع وليدها بحثا عن فرصة أخرى للحياة. وسطَ صوتِ الرشاش، والراكضين المذعورين...
تركض، تركض... ثم برصاصة واحد تَسقط تاركةً إيّاه يتيما بلا وجهة!
سياراتُ إسعاف تحمل الأمان والأمل بالحياة، تصبحُ في بضع ثوان أشبه بسيارات مفخخة!
مسجدٌ لم تصمد منه سوى قُبّة واقفة مُعْلِيًة كلمة الحق..
مكتبة عامة تبقّى منها حطامٌ و عناوين"برّاقة" متناثرة مُجسِّدَة سقوط الدّيار والشعارات الرّنّانة : "فلسفة كونفوشيوس في الأخلاق والآداب"، "الوحدة العربية"، "الإنسانية والعدل"...
مدرسةٌ كانت عمّا قريب زاهيةً بلون أزرق، لم ينجُ منها غير جدار صامد، عُلّقت به لوحة رَسمٍ عليها فَرس بيضاء بأجنحة طويلة تمتدّ، وتمتدّ كحلم الحرية..
طفلٌ يبكي، وآخر صامت أخرستْه طبول الحرب .
طفلة تبكي، وأخرى تبتسم للكامرا
امرأة تبكي، وأخرى تتحدى..
شيخ يبكي، وآخر يعاين حطام داره و أحفادِه..
شاب يبكي، وآخر يواجه دبابة، ويتوعّد...
لقد ضاق الحال بهؤلاء الذين ليسوا كالبشر
تحمّلوا ويتحمّلون حتى فاض بهم الصّبر، وما استفاق الإخوة!
....
~☆
تحت الأرض.
ككُلّ الرفاق هنا...
يفترشان التراب، ويلتحفان ذرّات الغبار
يتسامران، ينبشان الذكريات بحنين مستبِد، يسترجعان دفءَ أحضان الأهل،
قُبلاتِ الأبناء.
وجلساتِ الخلاّن والرفاق.
وقبل أن تسقط دمعة، يقطعان الحديث، يصمتان.
يَفتح "وائل" المذياع..
يَسمع نصرًا يُذاع : (خسائر فادحة لجيش الصهاينة، حسب ما أعلنته وزارة الصحة؛ ارتفاع حصيلة القتلى في صفوف العدوّ الجبان منذ طوفان الأقصى حتى الآن..)
مبتهجًا يدير المذياع؛ يلتقط إشارة غير صافية يصدح منها صوت ثائر يقاوم تَقطُّعَ الذبذبات ليُوصِل الحقيقةَ المسكوت عنها : (وين الملايين..وين، وين..)
يجيبُ"وائل" عن السؤال بابتسامة ساخرة. يقفل المذياع ويضعه جانبا..
يخاطب رفيقَ النّضال قائلا :
*تحققت المعجزة ! كيف للعقل البشري أن يصدّق أنّ ثُلّة من الملثّمين تفعل ما فعلنا!
- هو الإيمان يا صديقي، يمكنه أن يفلق الصّخر !
*يضيف "وائل" : أصبحتُ أرى الحلم قريبا، ماذا عنك؟
-يردّ "أيمن" : إنّي أراه مُحقَّقًا، كما أراك الآن..
بعزمٍ متجدّد يقوم الصديقان، يتوجّهان نحو باقي الرّفاق. يقول أحدهما بصوت كلّه يقين : هيّا يا رجال؛ فلنجعلْ خنادقنا هذهِ مَعابِرَ للنّور...
يصيح الجَمعُ عاليا : الله أكبر!
هنا ثُلّة أرادت أن تكتب التاريخ حتى يسمع بها العالم!
تمّت☆
هنا بقايا مدينةٍ شامخة، غاباتٌ بلا ظِل.أفقٌ مُلبَّدٌ خَلَع لونَه الأزرق السماويّ واكتسى الرماديَّ في رمشة عين...
قوافلٌ بشريّة تَرحل قسرا، تتقدّم الجُموع خطوةً واحدة بأقدام مُثقَلة، ثم تتوقف ملتفتةً للدّيار واعدةً إيّاها بالعودة مهما صار ..
الخِيامُ صامدة تقاوم الشتاء والرياح...
طفلٌ صغير تائه يشرب ماء المطر بكفّيه الضّامِرتيْن، ينهض، يمسح يديه، ويَمضي...
مراهقان يتمشّيان وسط الوحل. يحمل أحدهما كيسا على ظهره، يتّكئ على صديقه، يخبره سرّا ما، ثم يبتسم رغم كل شيء!
شابٌ نحيل أعزل، اقتنصه همجيّ لا يرحم.. لكنه ظلّ يحاول...يقُوم، يسقط، يقُوم، ثم يَسْجد، ليموت"كبيرا"، ويصبح رمزا من رموز الحكاية...
رجلٌ خرج باحثا عن طعام لعائلته، لكنه وجد نفسه طعما لرصاصٍ أعمى جائع؛ لتصبح صورته ‐ممدّدا بجانب دراجته، وقططٌ تحوم حوله‐ شاهدًا من شواهد فضاعة الحرب...خرجَ حيًّا- ولا أحد يعرفه- يطلب بعضا من الرّزق، فصار جثة وخبرًا عاجلاً على الشاشات والورق!
هنا شعبٌ عليه أن يُعذَّب ويموت حتى يسمع به العالم..!
بنتٌ بعينيْن دمويّتين بريئتين، وأمنيةٍ محبوسة بألاّ تفقد بصرها!
أمٌّ تركض مع وليدها بحثا عن فرصة أخرى للحياة. وسطَ صوتِ الرشاش، والراكضين المذعورين...
تركض، تركض... ثم برصاصة واحد تَسقط تاركةً إيّاه يتيما بلا وجهة!
سياراتُ إسعاف تحمل الأمان والأمل بالحياة، تصبحُ في بضع ثوان أشبه بسيارات مفخخة!
مسجدٌ لم تصمد منه سوى قُبّة واقفة مُعْلِيًة كلمة الحق..
مكتبة عامة تبقّى منها حطامٌ و عناوين"برّاقة" متناثرة مُجسِّدَة سقوط الدّيار والشعارات الرّنّانة : "فلسفة كونفوشيوس في الأخلاق والآداب"، "الوحدة العربية"، "الإنسانية والعدل"...
مدرسةٌ كانت عمّا قريب زاهيةً بلون أزرق، لم ينجُ منها غير جدار صامد، عُلّقت به لوحة رَسمٍ عليها فَرس بيضاء بأجنحة طويلة تمتدّ، وتمتدّ كحلم الحرية..
طفلٌ يبكي، وآخر صامت أخرستْه طبول الحرب .
طفلة تبكي، وأخرى تبتسم للكامرا
امرأة تبكي، وأخرى تتحدى..
شيخ يبكي، وآخر يعاين حطام داره و أحفادِه..
شاب يبكي، وآخر يواجه دبابة، ويتوعّد...
لقد ضاق الحال بهؤلاء الذين ليسوا كالبشر
تحمّلوا ويتحمّلون حتى فاض بهم الصّبر، وما استفاق الإخوة!
....
~☆
تحت الأرض.
ككُلّ الرفاق هنا...
يفترشان التراب، ويلتحفان ذرّات الغبار
يتسامران، ينبشان الذكريات بحنين مستبِد، يسترجعان دفءَ أحضان الأهل،
قُبلاتِ الأبناء.
وجلساتِ الخلاّن والرفاق.
وقبل أن تسقط دمعة، يقطعان الحديث، يصمتان.
يَفتح "وائل" المذياع..
يَسمع نصرًا يُذاع : (خسائر فادحة لجيش الصهاينة، حسب ما أعلنته وزارة الصحة؛ ارتفاع حصيلة القتلى في صفوف العدوّ الجبان منذ طوفان الأقصى حتى الآن..)
مبتهجًا يدير المذياع؛ يلتقط إشارة غير صافية يصدح منها صوت ثائر يقاوم تَقطُّعَ الذبذبات ليُوصِل الحقيقةَ المسكوت عنها : (وين الملايين..وين، وين..)
يجيبُ"وائل" عن السؤال بابتسامة ساخرة. يقفل المذياع ويضعه جانبا..
يخاطب رفيقَ النّضال قائلا :
*تحققت المعجزة ! كيف للعقل البشري أن يصدّق أنّ ثُلّة من الملثّمين تفعل ما فعلنا!
- هو الإيمان يا صديقي، يمكنه أن يفلق الصّخر !
*يضيف "وائل" : أصبحتُ أرى الحلم قريبا، ماذا عنك؟
-يردّ "أيمن" : إنّي أراه مُحقَّقًا، كما أراك الآن..
بعزمٍ متجدّد يقوم الصديقان، يتوجّهان نحو باقي الرّفاق. يقول أحدهما بصوت كلّه يقين : هيّا يا رجال؛ فلنجعلْ خنادقنا هذهِ مَعابِرَ للنّور...
يصيح الجَمعُ عاليا : الله أكبر!
هنا ثُلّة أرادت أن تكتب التاريخ حتى يسمع بها العالم!
تمّت☆