المذكرة الحمراء -منيرة (مس. ما خفي أجمل 4)
مرسل: 11 فبراير 2024, 14:03
غزة ،ذات شتاء ..
أغْبَرَتِ السَّماءُ ولا صوت في الأرجاء ،إلا صوت الأمطار الغزيرة في الليلة الأخيرة من الهدنة المؤقتة ..
وقع أقدام ، خطوات واثقة سريعة .ثم الإتجاه مباشرةصوب الممر االضيق الموجود وسط البستان ،رطوبة عالية تخنق الأنفاس ، وصل لمفترق أنفاق ،وجد الإشارة التي تدله على مكان الإجتماع السري ، أحتى رأسه وواصل تحركه
داخل مايشبه السرداب ..
إنه في غرفة العمليات أخيرا ، إستقبله القادة الثلاثة ، كان اللقاء حارا ،فهم لم يلتقوا منذ فجر طوفان الأقصى.
بعد السؤال عن أحوال المجاهدين في منطقة(الشمال )
كونه قائد كتائب المقاومة هناك ، انتقل الحديث لمناقشة تفاصيل خطة المرحلة المقبلة ...
قبل مغادرة ( عبد الرحمن ) المكان ، أخرج أحد القادة مذكرة حمراء ,خط على إحدى صفحاتها (حديثا شريفا) ، وسلمها له ، ودعهم ، وقفل عائدا لموقعه ...
أما هم فقد واصلوا وضع خطط بديلة تحسبا لأية مفاجآت ، لقد علمتهم الحرب الطويلة مع الكيان المحتل انه عدو قذر ، وأساليبه أقذر منه...
ثم تفرقوا كل واحد منهم لوجهة لايعرفها الآخر .
تل أبيب
-حالة طوارىء داخل مركز الإتصالات لوحدة الإستخبارات الداخلية، (إنه يرفض التكلم إلا مع مدير الشاباك)
هكذا أخبر عامل الهاتف المسؤول عنه ، يقول إنه يعرف مكان( المطلوب الأول ) ومكان (الأسير الجنرال )...
كان واضحا أن المكالمة جدية ، لذا حضر سريعا وتواصل مع المجهول عبر الهاتف ،الذي كان يجيد اللغة العبرية بطلاقة
وبدا ملما بكثير من التفاصيل التي لا يعرفها إلا القادة العسكريون من الجانبين ، كانت هذه أخطر مكالمة تتلقاها (إسرائيل ) منذ نشأتها ، إنها بمثابة المخرج الآمن من الحرب التي تورطت فيها داخل غزة ...
تم تبليغ رئيس الوزراء ، وبعد موافقة( الحاخام )
التقى الرئيس مع المتصل المجهول ، لتنفيذ الصفقة الأعظم
وقف إطلاق نار ، مقابل تسليم المطلوب الأول كمرحلة أولى ثم الأسير ، ثم تتبعها مراحل أخرى ..تنتهي بالقضاء على المقاومة .
حين سؤال ( العميل المجهول ) عن سبب تمرده ، أجاب : لن يكون مجديا الإنتصار في هذه الحرب لمن هو تحت الأرض ، إن مات جميع من فوقها ) ...أما إسرائيل فقد أدركت
(★أن أعظم حيتان البحر ليس لديها أي قوه في الصحراء)
و أنها مهما امتلكت من جيوش عسكرية، وأسلحة فتاكة
لن تستطيع تحرير الرهائن ولا تدمير الأنفاق لذا
كان طبيعيا أن يصبح هذا ( المجهول ) حليفا قويا لإسرائيل وأن تنفذ كل شروطه ، خصوصا بعد أن دلهم على مكان (عدوهم اللدود ) ..وتم إلقاءالقبض عليه حيا ..
كان لذلك الحدث تأثير بالغ على المقاومة وعلى شعب غزة ، وحظي الخبر بتغطية إعلامية غير مسبوقة .
وحقق للكيان نصره المنتظر ,وتعاظم دور العميل المجهول حين تم تحرير (الرهينة الأغلى ) ،بناء على معلومات منه ...
صحيح أن الحرب انتهت ، وتم إنقاذ ماتبقى من غزة وأهلها ، وتم فتح كل المعابر، وفك الحصار على المدينة المحبوسة أخيرا ، وتدفقت المساعدات الغذائية والصحية ، وبدأت الحياة تعود تدريجيا للقطاع ..
لكن كل الدمار وتلك الدماء ,وكل تلك المعاناة كان وقعها رحيما على أهل غزة _بما صبروا _,لكن أن يقاد قائدهم إلى سجن اليهود بذلك الشكل المهين ، فإنه البلاء الأشد قهرا، إنها الخيانة الأشنع...
سجن بئر السبع ،صحراء النقب .
في بدلة السجن ذات اللون الأزرق السماوي ، قابعا في سجنه الإنفرادي ، يتعرض يوميا فيها للتعذيب ، يستمتعون بألمه وقهره، موته سيريحه وسيصبح ( رمزا ) مثل سلفه من أبطال غزة ، لذا فهم يحرصون على حياته أشد الحرص ،
وإمعانا في الألم والإنتقام فقد رتبوا لزيارة خاصة جدا ..
كان ( العميل ) يرى أن الصواب كل الصواب في ما فعله ، وكما قال كونفشيوس (من يرى الصواب ولايفعله فهو جبان )
وماكان ( هو ) جبانا ..
لذا فقد امتلك الجرأة ليزور قائده داخل زنزانته ، ويقابله وجها لوجه ، وعادت الذكريات بهما لتلك الليلة الماطرة ، من كان يظن أن هذا سيحصل حقا !
التزم كل منهما بصمت ثقيل ،فلا يوجد حقا ما يقال ، قبل إنصرافه ،سلم عبد الرحمن ( المذكرة الحمراء ) للسجين قائلا له :
_ أنت بحاجة لها الآن أكثر مني ..كي تؤنس وحدتك ..
وكأنه ينهي ولاءه العسكري رسميا ...
_لقد صار( العميل ) حرفيا الذراع الأيمن لإسرائيل ،بل فرض عليهم احترامه بسبب شخصية القوية الساحرة ، ودهائه المتفرد ،ثم أن الأسباب التي دفعته للعمل معهم ، ليست خيانة لشعبه ووطنه ،بل إختلافا في وجهات النظر بينه وبين القادة الآخرين.
كان ( عبد الرحمن ) مثل عميل مزدوج ، أو مثل مخبر سري بمستوى رفيع ، فلا أحد من المقاومة شك به ، بل إزداد نفوذه أكثر وسط كتائب المقاومة ،خصوصا بعد إختفاء القادة الأخرين .
ومن الجهة المقابلة كان يتفق مع القادة الإسرائلين على كيفية القضاء على ماتبقى من مقاتلين بشكل نهائي..
وإعادة كل الرهائن بالتدريج، بشكل يخدم مصالحهما معا .
لذا كانت إسرائيل تمهد له الطريق ليكون الحاكم الفعلي لغزة ، ويتم القضاء على كتائب القسام وغيرها من كتائب المقاومة بيد أبناءها ، دون أن تضطر لتفعل ذلك بنفسها ، وكانت تعرف أن إغراءت المال والسلطة كفيلة بتغيير القلوب والمعتقدات والمبادىء ..ومالأمر إلا مسألة وقت ، فغزة التي قضت على كل العملاء ،يحكمها الآن أخطر عميل على الإطلاق ..
بمرور الوقت تحولت غزة لقطاع هادىء ، أعيد إعمار كثير مما دمر ، وتحرر معظم الرهائن ، وعقدت المقاومة بإسم قائدها الجديد (عبد الرحمن) ،معاهدات تخدم الطرفين معا ، وتم فعليا تدجين الصقور وقص أجنحتها العاصفة ..
ولم تعد غزة تشكل تهديدا وجوديا لإسرائيل ، وغادر من كان تحت الأرض ليمارس حياته ومهامه ( طبيعيا ) فوق الارض ، وأحكم عبد الرحمن سيطرته بمساعدة كتائبه المقاتلة ،او من كانت ( مقاتلة ) على غزة وشعبها ، بل امتدت سيطرته لبعض مناطق الضفة والقدس ..
القدس ، ذات سحور ..
في مكان ما داخل غابة اورشليم ،اجتمع القادة الثلاث ، مع رجال الكتائب السبعة ، وتلقى الجميع إشارة بدء الهجوم.
وجاس رجال ذوو بأس شديد داخل الديار ،وكان نصر الله والفتح المبين ..
ليس بعيدا عن المكان ، وصوب قبة الصخرة
تقدم القادة الثلاث ، بإنتظار رابعهم ، الذي قدم على فرس عربية وسط تكبيرات جموع المجاهدين ..
كان ( عبد الرحمن ) أول المندفعين نحوه ، تسبقه دموعه
الحرى ، كان المشهد مؤثرا ولايوصف بالكلمات ، وأعاد القائد
لعبد الرحمن ،المذكرة الحمراء من جديد ، لقد إستجيب الدعاء المكتوب في صفحتها ، فقد ثبت الله قلوبهم ، فلم تتقلب ولم تتبدل ، وماكان لعقول جبارة ونفوس مؤمنة صابرة نفذت معجزة ( طوفان الأقصى ) أن تعجز عن تنفيذ ملحمة (الحرية) لفلسطين الأبية .
تمت
★قول لكونفشيوس