تدور فكرة هذه الرواية حول أحد العباقرة.. لا ليس أينشتاين، وليس نيوتن، وليس أيضا نلز بور؛ بل هو سيبويه! ألا تعرفه؟ حسنا، لا بد أنك.. أحم!
عندما أقترحها علي صديقي، عرفت بسرعة أن القصة ستدور بشكل أو بآخر عن سيبويه وقصته المعروفة مع (حتى) لكن بقيت متشوقا لأرى كيف سيتناول أحمد خالد توفيق هذا الأمر؛ والحقيقة أني لم أكن أعلم أصلا بوجود سلسلة بجانب ما وراء الطبيعة وسافارى اسمها (فانتازيا).
تبدأ القصة مع التعريف بشخصية عبير التي قال عنها الكاتب: (هناك أبطال يمتازون بأنهم لا يمتازون بأي شيء، ويبدو أن عبير من هذه الفئة الأخيرة) ثم بعدها يبدأ مباشرة حوار بينها وبين المرشد، ولن أبالغ لو قلت إن هذه البداية كانت من أغرب البدايات التي قرأتها، لم أفهم شيئا على الإطلاق، كل ما فهمته أن صاحبتنا من عشاق الخيال! وخشيت أن لكاتب سوف يجتر قصص الأبطال الحالمين الذين لا يفعلون شيئا سوى التخيل! لكن مخاوفي بدأت تتلاشى شيئا فشيئا مع تقدم القصة، ومع أسلوب الكاتب الساخر لم أكن أشعر بالصفحات، أنظر فأجد أني في الصفحة خمسة مثلا، ثم أقرأ قليلا وأجد نفسي في الصفحة الخامسة عشر!
يستعرض لنا الكاتب بعض من حياة سيبويه -وقد كنت أعرف بعضها بالفعل- لكن الكاتب بأسلوبه جعلني أعشق هذه الشخصية كثيرا، بل أصبحت لدي مشاعر تجاهه، وكأنه شخص عاشرته وكان صديقي من قبل! وربما لهذا السبب نعكف على التحذير من أصحاب الأقلام المؤجرة، فالكاتب قادر على تغيير المفاهيم مائة وثمانين درجة، وإن كان الكبير يتأثر بما يقرأه، فما بالك بمراهق يقرأ بعض الروايات التي تزين الزنا، فكيف سيكون حاله!
من بين الأشياء التي لم أكن أعرفها، وعرفتها هي أن الخليل الفراهيدي الذي اكتشف البحور الشعرية الخمسة عشر كان أستاذا لسيبويه، والأخفش الذي اكتشف بحر المتدارك وهو البحر السادس عشر، هو تلميذ سيبويه والخليل! وأيضا صاحب مثلث قطرب، هو تلميذه، وأيضا تعلمت بعض قواعد النحو والإعراب الجديدة، من قبيل أن اسم (ليس) يكون مرفوعا، وما بعد أداة الاستثناء يكون منصوبا، إلخ.
ولعلّ أكثر مشهدين أثرا بي هو المشهد الذي أحرقت فيه زوجته مصنفاته وكتبه ودراساته، وقد فهمت ذلك الشعور جيدا لأني مررت فيه مرتين، المرة الأولى عندما مزقت ابنة أخي رسوماتي، فاعتزلت الرسم من حينها، لأنها كانت صدمة كبيرة! والمرة الثانية عندما قمت بالخطأ بحذف مجموعة من كتاباتي دون أن أملك نسخة عنها، والحمد لله استطعت أن استرجع بعضها، وبعضها للأسف لم أسترجعه. أما المشهد الثاني الذي أثر بي فهو مشهد موته، لا شك إن قلت لكم أنّ عيناي قد دمعت ستعتبرونني أمزح، لكن قد حدث بالفعل!
بقي شيء أخير أقوله، فأنا أخالف الكاتب فيما قاله بأن الكسائي قام برشوة الأعراب، فأنا لا أعتقد ذلك؛ بل أقول والله أعلم أن العرب بالفعل كانت تستعمل الرفع والنصب فيما ذكره من المسألة الزنبورية ومثلها، وخاصة إن اعتبرنا أن قبائل العرب كانت مختلفة ومتنوعة ومن الطبيعي أن يتنوع الكلام، وذلك مثال بعض الآيات القرآنية مثل قوله تعالى (إن هذان لساحران) فمن المفترض مثلا أن يكون اسم إن منصوبا لكنه جاء هنا مرفوعا، ولعل نفس الأمر ينطبق على ذلك.. هذا ما خطر ببالي عندما سمعت قصة المناظرة لأول مرة، ولا زلت أحتفظ بهذا الرأي، والله أعلم!
وفي الختام، أنا أنصح بشدة بهذه الرواية؛ فقد تغير نظرتك كليا إلى اللغة العربية، وكيف كان الناس يتهافتون عليها كما نتهافت نحن اليوم على كرة القدم!
حمزة إزمار
سيفاو
3-05-2021
<center>
</center>
