لماذا نخاف من البوح؟ لماذا يخشى المرء أن يكون كتابا مفتوحا؟ لماذا يتحسس من يومياته ورغباته حين تخرج في بيان صقيل؟
ثم ما فائدته إن كان كتابا مغلقا، مركونا في الرفّ يعلوه الغبار؟ أو كتابا تضرب عليه العنكبوت بنسجها؟
ما قيمة الأدب إن لم يصنع من الحبة قبّة، ومن القبّة معرفة ومن المعرفة تجربة كتابية تضاف إلى الرصيد الأدبي المكتوب؟ ما قيمته إن لم يصنع من الحبل جملا ومن الجمل جبلا، هكذا كما تتوالد الكلمات من الكلمات والأفكار من الأفكار؟
إن كان قدَرُك صنعة الأدب فاندلق ولا تتحفّظ، قل كل ما يمكن أن يقال بلغة الخيال، واستعن بتقنية الضمائر كي تراوح بين ذاتك وذوات الآخرين، وإياك والتحفّظ فإنّه مقبرة المبدعين.
في تجربتي الخاصة وغير الموغلة في عالم الكتابة أجدني أكثر اندلاقا على الورق كلما تخففت من أعباء التحفّظ، وكلما كتبت ذاتي بصدق، أو رقمت أفكاري كما تريد هي أن تكون بلا تزويق ولا توجّس. والكتابة بصدق لا تعني أن تكتب بلا تفنن في الأسلوب ولا تنوّع في الطرح، فمن الصدق أن تكتب ما بداخلك وما حولك وما يجري في العالم بروح الأدب؛ لأن روح الأدب هي الكفيلة، في النهاية، بجعل كل ما يقال مقبولا في سياقه الكتابيّ الرصين والرزين، وإن كنت سأتحفّظ على شيء فلن أتحفّظ إلا على الرصانة والرزانة التي تسللت إلى معجمي في هذا السياق وطفحت من أغوار العقل الباطن إلى سطح الكتابة.
غير أني ما دمت ذكرت هاتين الصفتين فمن المهم أن أبيّن أنهما صفتان لازمتان لكل كتابة صادقة، ولكل بوح ذاتي لا يتكلّف السعال والنحنحنة، حتى وإن كانت المضامين مما يندرج ضمن المسكوت عنه من أحوال النفس وتقلباتها الشعورية، وحتى إن كانت الكتابة فعلا خاصا مما يضنّ به المرء في سياقاته الاجتماعية الشفاهية، فالمكتوب بطبيعته يذاق كما يذاق شهد النحل، ولا يمنع الناسَ من تذوّقه كونه قيء الزنابير!
هذه هي الرصانة كما أتصوّرها، رصانة الحرف حين يورق بروح الكاتب ويعبر بها مسافات جمالية واسعة وشاسعة لا تتحفّظ على الجمال ولا تخجل من عبوره أيّا كانت طريقة هذا العبور ما دام في فضاء الكتابة الأدبية ورهانها الذي لا يخسر.
الكتابة بين التحفظ والاندلاق ،.. سعود الصاعدي
- محمد كنجو
- عضو ذهبيّ (1500+)
- مشاركات: 5663
- اشترك في: 29 إبريل 2021, 12:24
- سلمى
- عضو ذهبيّ (1500+)
- مشاركات: 1822
- اشترك في: 29 إبريل 2021, 18:41
- مكان: الجزائر
Re: الكتابة بين التحفظ والاندلاق ،.. سعود الصاعدي
السلام عليكم
أعجبني هذا المقال جدا أخ محمد كأنه لسان حالي حرفيا
هكذا أفكر وهكذا أحب ان أتعاطى مع افكاري سواءا كانت مواضيع للنقاش
أو أفكار عابرة أو نصوص قصصية
أحب فكرة الاندلاق الكاملة حين ترمي كل شيء ولا تترك لغيرك ما يرد به سوى الانصياع لمكنوناتك
فالمكنونات لا تناقش ولا تُنتَقد
وإن فعلت فهي تستحق الاحترام لما فيها من صدق وعفوية.
المشكلة فقط تكمن فيمن سيقرؤك، فمثل هذا الاندلاق يستحق عقولا عميقة وأعين دقيقة، ومن العيب ان تندلق تحت أعين السطحيين.
أحييك على هذا المنقول الرائع
أعجبني هذا المقال جدا أخ محمد كأنه لسان حالي حرفيا
هكذا أفكر وهكذا أحب ان أتعاطى مع افكاري سواءا كانت مواضيع للنقاش
أو أفكار عابرة أو نصوص قصصية
أحب فكرة الاندلاق الكاملة حين ترمي كل شيء ولا تترك لغيرك ما يرد به سوى الانصياع لمكنوناتك
فالمكنونات لا تناقش ولا تُنتَقد
وإن فعلت فهي تستحق الاحترام لما فيها من صدق وعفوية.
المشكلة فقط تكمن فيمن سيقرؤك، فمثل هذا الاندلاق يستحق عقولا عميقة وأعين دقيقة، ومن العيب ان تندلق تحت أعين السطحيين.
أحييك على هذا المنقول الرائع
- نجمة
- عضو ذهبيّ (1500+)
- مشاركات: 3722
- اشترك في: 28 إبريل 2021, 11:58
- مكان: جدة ...المملكة العربية السعودية
Re: الكتابة بين التحفظ والاندلاق ،.. سعود الصاعدي
احسنت النقل اخي
لعلّ للإندلاق رهبة لمن يكتب قلبه دون أن يعي
فيتصادم مع مكنونات قلبه
ع تلك الأوراق !
لعلّ للإندلاق رهبة لمن يكتب قلبه دون أن يعي
فيتصادم مع مكنونات قلبه
ع تلك الأوراق !