يعد كتاب السر من أكثر كتب التنمية الذاتية مبيعاً لعام 2006 من تأليف روندا بايرن، استناداً إلى فيلم سابق من نفس الاسم. وتقوم فكرته على قانون الجذب ويدعي أن التفكير الإيجابي يمكن أن يخلق نتائج تجعل الحياة أفضل مثل زيادة في الثروة والصحة والسعادة. هذا الكتاب قد باع ما يزيد على 21 مليون نسخة وترجم إلى 44 لغة.
الحقيقة أنني عندما اقتنيت الكتاب اعتقدت أنه رواية بوليسية “السر” يبدو كعنوان مذهل وغامض لرواية بوليسية مثيرة، طبعا من فرط الحماسة لم ألق نظرة على الغلاف الخلفي، إلا بعد أن عدت للمنزل؛ ولكن مع ذلك عندما اكتشفت أنه كتاب للتنمية الذاتية، زاد فضولي أكثر خاصة أنني سمعت الكثير من الأشخاص يمدحونه، ويتحدثون عنه بحماسة، نعم لا شك أنه كتاب خرافي جدا.
بدأت في قراءة الصفحات الأولى، فبدأت أكتشف أخطاء كارثية في الإملاء، نعم مع تقدمي في القراءة عرفت أن بين يدي ترجمة بدائية جدا (عدم التميز بين همزة الوصل والقطع، هناك كلمات تقتطع في آخر السطر ويكملونها في السطر الموالي…!)، اللغة لم تكن مشجعة على الإطلاق، وخاصة ذلك الخطاب الصبياني، شعرت أنهم يتعاملون مع أطفال وليس قراء ناضجون! بدى لي الأمر أشبه بمشاهدة فلم كرتوني للصغار، خذ على سبيل هذه الجملة: ” ولكن هذا هو الجيل الذي سيغير وجه التاريخ، لأننا نتلقى المعرفة التي من شأنها أن تخلصنا من هذا الوباء” -انتهى-
تبدو لي كالخطاب الذي ألقاه اتحاد الشينوبي عند بدأ حرب النينجا الرابعة، في ناروتو شيبودن؛ بل إن ذلك الخطاب كان أكثر نضجا من هذا!
هذا بخصوص اللغة، أما بخصوص المعلومات التي يستعملونها فهي كلها مغالطات في مغالطات في أخطاء علمية فادحة!
قانون الجذب! والحقيقة فهو من الناحية العلمية لا يرقى حتى لمستوى الفرضية، والمعلوم من الضرورة في العلم أن اسم القانون يطلق على القواعد النظرية التي تصف كيفية حدوث أمر ما اعتمادا على صحة التجارب المختبرية دون وجود تجربة واحدة خاطئة!
ومن ذلك قوانين الديناميكا الحرارية، وقانون نيوتن مثلا!
والمسمى بقانون الجذب ليس بقانون، فهو أولا لا يقدم أي دليل تجريبي على صحته! كل ما هنالك كلام وأحاديث الناس، وقصص مشكوك بصحتها، أو يمكن أن تكون لها تفسيرات أخرى، وبالتالي فهو من الناحية العلمية مجرد خزعبلات.
وثانيا هناك ما يسمى قابلية القانون أو النظرية لإمكانية إثبات خطئه“، وهذا المبدأ المهم قدمه العالم كارل بوبر كي نضع به حدا فاصلا بين ما يعتبر من العلم، وبين ما يعتبر من الخزعبلات، ويقول في ما معناه :إن صحة النظرية ليست في كثرة الشواهد والتجارب المعملية التي تثبت صحتها فقط إنما أيضا في قابلية النظرية للاختبار بطريقة تنقضها، أي إذا وجدت الطريقة التي تحمل إمكانية نقض النظرية لكن فشلت هذه الطريقة في النقض ، فإن هذا الأمر يعطي دعما أكبر لصلابة وقوة النظرية أو القانون ، وأي نظرية لا تمتلك إمكانية النقض (أي لا يمكن اختبار خطئها من صحتها) فإنها مجرد خزعبلات أو في أحسن أحوالها فرضيات وظنون لا يعتد به علميا .
لكن هل قانون الجذب هذا يقدم طريقة لإثبات خطئه!
وأنا أرى أن أي شيء لا يقدم هذه الامكانية لا يرقى أبدا لأن يكون قانونا.. وحتى القرآن الكريم نفسه يعتمد على هذا المعيار، فقد جاء لمشركي قريش بأكثر من طريقة ليثبتوا خطأه ولكنهم عجزوا.[1]
مشكلة هذا الكتاب وهذا المزعوم بقانون الجذب أنه لا يقول لك: فكر تفاءل كي تجد الراحة النفسية، ثم سيساعدك ذلك على تغيير حياتك بالعمل؛ لأن الأفكار السلبية قد تمنعك من العمل، وقد تبقى طول حياتك حبيس الأفكار المشؤومة!
لا بل هذا الكتاب يخبرك ببساطة أنك قادر على تحديد مصيرك وإحداث تغييرات مادية في حياتك، مثلا عندما تفكر أنك ستكون في مكان غير مناسب في وقت غير مناسب، فسوف تكون فيه.. أي أن جميع ضحايا هيروشيما وناكا زاكي، كانوا يفكرون في نفس الوقت أنهم لن يكونوا في مكان مناسب وفي وقت غير مناسب، ثم.. طاااح… وحدث الأمر!
والحقيقة فهناك خلط غبي في المفاهيم العلمية، فهم يدعون مثلا -أي المروجون لقانون الجذب- أن هناك طاقة موجبة وطاقة سالبة، لكن علميا الطاقة واحدة لا سالبة (-) ولا موجبة (+)، إن استخدام الإشارات (سالب وموجب) هي للتمثيل الرياضي فقط، كأن نقول الطاقة الخارجة من الجسم سالبة والداخلة إليه موجبة، كما نستطيع أن نفرض العكس تماما وهو صحيح أيضا. لذا فتغيير الإشارات لا يغير في المدلول الفيزيائي شيء! وبالتالي هذا الزعم مجرد هراء وخزعبلات.
وأيضا فهم يعتمدون بشكل كبير على أنه يمكن جذب الشبيه عن طريق الطاقة، لكن الذي أعرفه أنا، أن الطاقة لا تجذب، ولا تمتلك أي خاصية للجذب! فالطاقة في أبسط تعريف لها هي “القُدرة على القيام بالعمل”. والطاقة هي الكيفية التي تتغير وتتحرك بها الأشياء. وهي في كل مكان حولنا، ولها الكثير من الأشكال، ولم أسمع يوما أو أقرأ أن الطاقة تجذب والله أعلم.
وهناك أمر آخر أيضا مهم، بخصوص جذب الأشياء مثل قولهم: إنك تجذب ما تفكر به، وهذه العبارة قد تكررت كثيرا في الكتاب لدرجة شعرت معها بالضجر؛ لأن أساس هذا القانون هو افتراض أن الانسان قادر على الجذب، وما أعرفه أنا والله أعلم، أن هناك نوعين من الجاذبية فقط (فزيائيا):
– الجاذبية التي تتسبب فيها الكتل الضخمة جدا كالأرض والشمس فيما بينها أو بين الأرض والكتل التي حولها. وتسمى الجاذبية الكونية.
-أو الجاذبية التي تسببها اختلاف الشحنات موجبة وسالبة، الذي نقصد به الكهرومغناطيسية.
بالنسبة للأولى فإن جسم الإنسان ليست لديه كتلة ضخمة كي يجذب، وأما الثانية فشحنة جسم الإنسان الكلية متعادلة (لا سالبة ولا موجبة) وليس له قدرة على جذب الأشياء ولا الانجذاب لها إذن؛ كيف يجذب الأشياء التي يريدها حسب زعم هؤلاء!
لكن ما يهمني كثيرا أن أعرفه، لماذا الترجمة حذفت منها الجمل التي تنبه القارئ إلى أن الكتاب يحتوي أفكار الحادية، دون أي تنبيه أو ملاحظة! لأن العجيب والذي لم أصدقه في البداية أن الترجمة حرفت قليلا وصيغة بطريقة لا تجعل فيها القارئ ينتبه إلى المحتوى الالحادي، وكمثال فنحن لا نجد أي أثر للعبارة التالية في الكتاب”You are God in a physical body. You are spirit in the flesh. You are eternal life expressing itself as you. You are a cosmic being. You are all power. You are all wisdom. You are all intelligence.”
وركز على أول سبع كلمات!
حسنا، أرجو أن أكون قد أوضحت الفكرة جيدا؛ لأني في السابق وضعت منشور أنتقد فيه هذا الكتاب، وفجأة أصبحت سطحيا ومتخلفا ولا أعرف شيئا عن العلم! والحقيقة يعتبر هذا الكتاب أسوأ كتاب قرأته وأضعت وقتي معه.
بقلم: حمزة إزمار “سيفاو”
في تاريخ 10/04/2021
[1] هذه ليست مقارنة، مجرد استدلال.
